المصدر: المدن
الكاتب: فرح منصور
السبت 6 نيسان 2024 09:41:15
الذي بات معروفًا أن القضايا اللبنانية تتأرجح بين القانون والاستنسابية. وقضية المدعو داني الرشيد هي واحدة منها.
فالحصانة أو ما يُعرف بالغطاء السياسي الذي تتمتع به غالبية الشخصيات السياسية والأمنية، قد تُسحب فجأة. فتنقلب الأمور وتتبدّل الأحوال، كأن يتحول "رجل الامتيازات"، رئيس جهاز أمن الدولة، اللواء طوني صليبا إلى "مدعى عليه" مثلًا.
سيطرت التدخلات السياسيّة على قضية الرشيد ذلك بعد أن فاحت رائحة الفضائح من جهاز أمن الدولة، لناحية التعاطي "الفاضح" مع الموقوف داني الرشيد، المحسوب على رئيس جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا، والوزير السابق سليم جريصاتي، والذي تمتع بخدمة استثنائية داخل السجن، فاضطر القضاء اللبناني إلى حسم هذه المسألة، لوقف لعنة "المهانة" التي حلّت على هذا القضاء.
ملاحقة صليبا قضائيًا
وهنا، في "الدولة العميقة" البعيدة كل البُعد عن القانون، القائمة على الاستنسابية والطائفية والعشوائية، حظي الرشيد بخدمة مميزة داخل السجن، فسُمح له بالتفسح خارج السجن، وتناول العشاء مع عائلته والتنزه، واستخدام هاتف خلوي مع شبكة إنترنت، ربما لتصفح الجرائد اليومية ومتابعة قضيته. وبعد هروبه من السجن، أو بمعنى أدق بعد "تهريبه" من سجن أمن الدولة، توسعت التحقيقات القضائية، التي انتهت بخطوة تصعيدية لم تكن متوقعة، حيث ادعى مفوض الحكومة في المحكمة العسكرية، القاضي فادي عقيقي على رئيس جهاز أمن الدولة، اللواء طوني صليبا، وعلى سبعة أشخاص آخرين.
فرضيات أخرى..
ولحظة الكشف على غرفة الرشيد، تبيّن أنها خالية من جميع أغراضه، وعُلّق قميص واحد فقط، ولم تظهر آثار خلع الباب كما ذكر الرشيد. وبعد المطالبة بالكشف على كاميرات المراقبة، بُلّغ القضاء بأنها معطلة وتحتاج إلى صيانة. وبعد الكشف والاطلاع على باقي كاميرات المراقبة لم يتبين أي شيء. لذلك، فإن تحليل هذه المعطيات قد يدعم فرضية أساسية وهي أن الرشيد لم يكن متواجدًا خلال الفترة الماضية داخل السجن أبداً. فمن غير المنطقي أن يهرب أي سجين حاملًا وسادة وغطاء وشنطة فيها جميع أغراضه خلال دقائق قليلة، لأنه ببساطة لن يحتاج إلى الوسادة والغطاء خلال هذه اللحظات الحاسمة، ولن يضطر إلى تنظيف غرفته قبل مغادرتها. وربما، لهذه الأسباب، حول صليبا لائحة للمدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار تضم أسماء جميع الموقوفين داخل سجن أمن الدولة وكانت خالية من اسم الرشيد، وبعد إلحاح الحجار على ضرورة نقل الرشيد من أمن الدولة إلى سجن مديرية قوى الأمن الداخلي، أي بعد الضغط أكثر على صليبا، سُرب فجر الخميس الماضي، خبر هروب الرشيد من السجن.
مخالفة التعليمات القضائية
وواقع الحال، فقد اضطر القضاء اللبناني إلى حسم هذه القضية، خصوصًا بعدما كسر صليبا تعليمات الحجار لمرات متتالية، وعلى ما يبدو أنه لم يتمكن من مساندة الرشيد لفترة أطول. وطُلب خلال الأيام الأولى إلى المحكمة العسكرية لاستجوابه، فتفاجأ من هذا المطلب، على اعتبار أنه "غير معني" في القضية نهائيًا، وتُرك بعدها رهن التحقيق، وبعد عدة أيام، ادعى القاضي عقيقي على صليبا بجرائم صرف النفوذ والإخلال بواجبات الوظيفة وإساءة استخدام السلطة، وادعى على العميد بيار البراك الذي جرى توقيفه سابقًا، وهو المسؤول عن مقر حماية الشخصيات وعلى عسكري آخر وعلى حراس السجن، وعلى داني الرشيد أيضًا، بجرائم الإهمال ومخالفة التعليمات العسكرية وعدم مراعاة القوانين.
عمليًا، بعد تسريب خبر فرار الرشيد وخروجه من السجن عن طريق خلع الباب، استنادًا للرواية التي قدمها، استعان بسيارة أجرة متوجهًا نحو الأراضي السورية للإقامة في دمشق، ولكن القضية لم تُلملم كالعادة، بل وصلت إلى حد "تهديد" صليبا بمركزه وبالملاحقة القضائية، في حال عدم إعادة الرشيد إلى لبنان. وحسب معلومات "المدن"، فإن إحدى الشخصيات السياسية البارزة من الطائفة السنية تواصل مع صليبا حول هذا الأمر، ومن بعدها خُيّر الجانب السوري أيضًا بين صليبا أو الرشيد، فسُلّم الأخير إلى الأمن العام الذي سلّمه للمحكمة العسكرية، لينقل بعدها إلى سجن الريحانية.
ولعل هذه القضية لن تنتهي بهدوء، كحال باقي القضايا الحساسة التي تُجرى "لملمتها" وإطفاء وهجها. وحسب مصادر قضائية بارزة لـ"المدن"، فقد تم الادعاء على الأشخاص انطلاقًا من مسؤولية كل شخص ومساهمته في مسألة "فرار" الرشيد، ومن المفترض أن تحدد جلسة خلال الأيام المقبلة داخل المحكمة العسكرية لاستجوابهم، ليقرر بعدها القاضي عقيقي اتخاذ الإجراءات اللازمة. وتتوقع مصادر مطلعة، أن هذا الملف من شأنه التأثير سلبًا على منصب اللواء صليبا. فهل مجريات هذه القضية توحي بأن عزل صليبا بات قريبًا؟