دماغ الرجل عندما يصبح أباً... هكذا يتغير

كشفت الأبحاث الحديثة أن الرجال، مثل الأمهات، يتعرضون لتحولات عصبية وهرمونية كبيرة بعد أن يصبحوا آباء.

وبحسب تقرير نشره موقع huffpost، تؤثر التغييرات على صحة الرجال العقلية، وأنماط نومهم، ورفاهيتهم بشكل عام؛ ما يشير إلى أن الأبوة عميقة من الناحية البيولوجية تمامًا كالأمومة.

وشارك "كيرتس ديفيس"، الأستاذ الجامعي والأب لتوأم صغير، تجربته المباشرة مع الأبوة، مشيرا إلى أن "الأبوة والأمومة أثناء الوباء كانت مرهقة. ومن خلال تحقيق التوازن بين المهن المتطلبة ورعاية الأطفال، تخلصنا من الأدوار التقليدية للجنسين".

لكن التقسيم المتساوي للعمل بين الأب والأم، لم يكن خاليًا من التحديات حيث اعترف ديفيس بشعوره بثقل المسؤولية التي أثرت بالفعل على نفسيته ونومه.

وأضاف أن "الضغط موجود بالتأكيد"، خاصة وأن وظيفته مهمة لأنها توفر التأمين الصحي للأسرة، مما يضيف طبقة أخرى من القلق.

ومع ذلك، فإن فوائد العناية بالأطفال كبيرة، إذ يستمد الآباء إشباعًا هائلاً من تقديم الرعاية، الأمر الذي يؤدي، بشكل مثير للاهتمام، إلى تغييرات ملموسة في أدمغتهم.

أجرت داربي ساكسبي، أستاذة علم النفس بجامعة جنوب كاليفورنيا، دراسات متعددة باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي لمراقبة هذه التغييرات.

وأشارت النتائج إلى أن الرجال يعانون من انخفاض في حجم الدماغ بعد أن يصبحوا آباء، على غرار التغييرات التي لوحظت في الأمهات، وإن كانت أقل وضوحا.
هذا الانخفاض في حجم الدماغ، رغم أنه يبدو سلبيًا، هو في الواقع شكل من أشكال التكيف العصبي.

ويرى الباحثون أن هذا التغيير يمثل تقليمًا للمشابك العصبية، وتبسيطًا لوظيفة الدماغ للتعامل بشكل أفضل مع متطلبات الأبوة. وقد كشفت دراسة ساكسبي، التي شملت 38 أبًا لأول مرة، أن أولئك الذين شاركوا أكثر في رعاية الأطفال أظهروا تغيرات أكثر أهمية في الدماغ، كما أن الآباء الذين ارتبطوا أكثر بأطفالهم أو خططوا لأخذ إجازة أطول من العمل للبقاء معهم شهدوا انخفاضًا أكبر في المادة الرمادية.

ومن المثير للاهتمام أن فقدان حجم الدماغ كان مرتبطًا بزيادة القلق والاكتئاب وقلة النوم بين الآباء. ومع ذلك، تحذر ساكسبي من استخلاص استنتاجات قاطعة من دراسة واحدة.

وقالت: "نحن بحاجة إلى مزيد من التمويل للدراسات المتعلقة بعقل الوالدين لفهم هذه المرحلة الحرجة من الحياة بشكل أفضل“.

التغيرات الهرمونية

وبالإضافة إلى التغيرات العصبية، يعاني الآباء أيضًا من تغيرات هرمونية، إذ ترتبط زيادة تقديم الرعاية بانخفاض مستويات هرمون التستوستيرون وارتفاع مستويات البرولاكتين والأوكسيتوسين، والهرمونات المرتبطة بالترابط وتقديم الرعاية.

وقام لي جيتلر، أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة نوتردام، بدراسة هذه التغيرات الهرمونية على نطاق واسع. ويشير بحثه إلى أن الآباء الذين يشاركون بشكل أكبر في تقديم الرعاية لأبنائهم يظهرون تعديلات هرمونية كبيرة، مماثلة للأنماط التي تظهر في أنواع الفقاريات الأخرى التي يساعد الآباء فيها في تربية الصغار.

كما أظهرت دراسات جيتلر في الفلبين أن الرجال الذين أصبحوا آباء شهدوا انخفاضًا كبيرًا في هرمون التستوستيرون مقارنة بأقرانهم غير المتزوجين.

وكان لدى الآباء الذين أمضوا وقتًا أطول مع أطفالهم مستويات منخفضة من هرمون التستوستيرون، مما عزز العلاقة بين تقديم الرعاية والتغيرات الهرمونية.

بالإضافة إلى ذلك، أظهر الآباء مستويات أعلى من البرولاكتين، مما يدعم دورهم في تقديم الرعاية.

وتقوم هذه التغيرات الهرمونية بإعداد الآباء لمتطلبات الأبوة، حيث وجد بحث جيتلر أيضًا أن الآباء الذين لديهم مستويات منخفضة من هرمون التستوستيرون وارتفاع في مستويات الكورتيزول بعد ولادة أطفالهم كانوا أكثر انخراطًا في مهام تقديم الرعاية بعد أشهر. وأوضح جيتلر: "تظهر هذه النتائج أن الاستجابات البيولوجية للآباء تجاه الأبوة تساعدهم على التفاعل والترابط مع أطفالهم“.

يؤكد كل من ساكسبي وجيتلر على أهمية دعم الآباء في أدوارهم لتقديم الرعاية. وقالت ساكسبي: "الآباء العظماء يُصنعون، ولا يُولدون"، مسلطة الضوء على أن التغيرات البيولوجية تعزز قدرات تقديم الرعاية.

ويمكن لسياسات مثل الإجازة الوالدية مدفوعة الأجر أن تسهل هذه التفاعلات الإيجابية والتكيفات البيولوجية.

وتؤكد تحديات الصحة العقلية المرتبطة بفقدان حجم الدماغ على الحاجة إلى دعم شامل لجميع الآباء الجدد. وأشارت ساكسبي إلى أن "السياسات التي تقلل من التوتر في السنوات الأولى بعد الولادة أمر بالغ الأهمية".