المصدر: المدن
الكاتب: منير الربيع
الاثنين 31 تشرين الأول 2022 06:29:07
تستحق الحالة العونية دراسة معمّقة في القدرة على الصمود بنفوس المريدين، مع تصميم على مقارعة الآخرين والمجابهة والاستمرار في المواجهة، حتى في لحظات البحث عن تسوية. فلم يكن خروج عون من قصر بعبدا مناسبة لطي صفحة العونية، ولا طي عهد انتظر الكثير من الخصوم لحظة انتهائه، لا بل تشكّلت عناصر الإبتعاث مجدداً، مع فارق أن كل هؤلاء المريدين سيكونون في عداد الباسيليين مستقبلاً. وهذا جزء من التجديد، على غرار القدرة في ابتداع الشعارات الجديدة.
سرعات باسيل
قبل أربع وعشرين ساعة من خروجه من القصر، أعلن عون ترشيحه رسمياً لجبران باسيل، غير آبه بالعقوبات الأميركية أو بغيرها من الحسابات. وقبلها بيومين كان عون في غاية الصراحة بتوجهه إلى أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله قائلاً: "لنصرالله عينان ولي عينان، وكل منا يرى من الزاوية التي يريدها"، في معرض رده على اختيار رئيس جديد. فعينا عون لن تريا غير باسيل في التبشير والتأسيس للمرحلة الجديدة.
رئاسة عون تأخرت 26 سنة بالنسبة إليه، منذ لحظة خروجه من قصر بعبدا إلى لحظة عودته إليه في العام 2016. لم يكن من السهل استمرار هكذا مشروع طيلة هذه السنوات، ولن يكون باسيل متعثراً عن هذا المسار، أولاً بناء على قدراته، وثانياً بالاستناد إلى ما تم تجييره لصالحه، وثالثاً بفعل افتقاد خصومه -مسيحياً ومن خارج البيئة المسيحية- إلى القدرة على السير بالسرعة نفسها التي يسلك فيها مساراته. وعليه فإن بالانتقال من الحالة العونية إلى الباسيلية سيجيد باسيل تكريس مشروعيته فيها، من مقارعة رؤساء الحكومات، إلى الحالة الصدامية الدائمة مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وما بينهما من معارك يخوضها ضد خصومه المسيحيين.
معاكسة نصرالله
الأهم بالنسبة إلى جموع الباسيليين، هو أن يخرج الرجل من اجتماع مع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وهو لا يزال على موقفه، رافضاً الاقتناع ورافضاً التنازل. وهذا أمر ليس من السهل الإقدام عليه. عون نفسه سبق و"كارم" نصرالله بالكثير من المواقف. هذا لم يكن باسيل مستعداً للقيام به على مسافة أيام قليلة من انتهاء ولاية حميّه. لم يتجاوب باسيل مع نصرالله في مسألة تشكيل الحكومة، ولم يقتنع بتبني ترشيح سليمان فرنجية. وهذه وحدها كفيلة بمنحه المزيد من المشروعية في نظر جمهوره ومؤيديه. فبذلك يحول الرجل نفسه معبراً أساسياً لأي رئيس جديد، أو عنصراً مؤثراً في أي استحقاق أو تسوية أو اتفاق لا بد له أن يرفع الفيتو ليُنجَز. من هنا يمارس باسيل رئاسة مؤجلة، وهي إن تأجلت لست وعشرين سنة مع عون، تبدو بالنسبة إليه مؤجلة لفترة تتراوح ما بين عشرات الأشهر أو سنوات ست. فقد بدأ المسير باتجاهها، من احتفالات توديع عون ومغادرته للقصر الجمهوري، وبالتالي التأسيس لمرحلة رئاسته.
ليست الحالة الباسيلية وحيدة، ثمة ما يدفع الرجل إلى تعزيزها خارجياً، انطلاقاً من دوره في ملف ترسيم الحدود، واستقطاب جهات خارجية إلى احتضانه. وهنا لا يمكن اعتبار أن باسيل في حالة عزلة، وإن كانت الصورة تبدو كذلك في الداخل، استدلالاً بعلاقته السيئة مع غالبية القوى السياسية، إلا أنه يجد حضناً حنوناً يوفر له كل مقومات الرعاية آنياً ومستقبلياً، هذه الجهات تنظر إليه كوريث وحيد للمسيحيين.
وهذا الكلام أكثر من جدّي ومنسوب إلى جهات خارجية متابعة بشكل حثيث للملف اللبناني، تسعى إلى إعداد باسيل لسنوات مقبلة.