رئاسة لبنان... "الثأر" الاستلحاقي لعنجر!

تتعاظم النقمة واللعنة حيال الجهات التي عطلت انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان منذ نهاية عهد ميشال عون الكارثي، في ظل مشهد ما كان ممكناً تخيله قبل 27 تشرين الثاني الماضي.

 بعد تاريخ سريان اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل، وفي مد زلزالي تصاعدي بلغ ذروته عقب السقوط المدوي للطاغية الأسدي في سوريا، "مسّ" المناخ السياسي وأزمة الفراغ الرئاسي الراكدة المنسية في لبنان إعصار انقلابي بالمنحنى المُلبنن الذي قمع "الثنائي الشيعي" سحابة سنتين وشهرين كل خلجاته، وصادر الجمهورية اللبنانية مصادرة ترهيبية بكل المعايير تحت ذرائع مخادعة، فيما كان "حزب الله" يكمل بيده الأخرى استدراج إسرائيل إلى الإجهاز على البلاد.

ولعل الحاصل منذ التراجع الكبير لـ"حزب الله" تحت وطأة ما اقترفه من مغامرة قاتلة خدمة لمحوره البائد، ومن ثم السقوط المهول المذل لحليفه بشار، يكشف عمق الترهيب السياسي الذي كان يخضع له ما يسمى محور 8 آذار "المخلوع" بدوره، ولو جرجرت بقاياه في السلطة المهترئة حتى طي صفحة الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس للبنان.

والحال أنه بصرف النظر عن حتمية انتخاب رئيس للجمهورية في التاسع من كانون الثاني المقبل أو بقيت الاحتمالات مفتوحة حيال هذا الموعد، يتعين على سائر القوى اللبنانية بكل اتجاهاتها الاعتراف بحقائق، معظمها لا يروقها الإقرار بها ضمناً أو علناً. أبرز هذه الحقائق وأشدها سوءاً أن التخاذل السياسي المضخم الناجم عن الاستسلام لترهيب "حزب الله" في سنين سطوته لعب دوراً كاسحاً في هيمنته الآسرة على لبنان، وأنه لولا المعارضة الشرسة له من جانب "قوى 14 آذار" في الحقبة السابقة والمستمرة لاحقاً من جانب قوى المعارضة المسيحية لكان لبنان بأسره استحال غزة الثانية بلا أي فوارق، بما كان سينهي لبنان تحت وطأة "نظام إيراني" ناجز.

ثم إن الحقيقة الطالعة الأخرى تكشف أن رفع معايير مواصفات الرئيس العتيد للبنان، التي فتحها زعماء المعارضة المسيحية، كانت أفضل تصويب فوري لمسار قاتل للرئاسة لو قيّض للثنائي الشيعي وحلفاء إيران والأسد المخلوع أن يمضوا به بعد الضربات التي أصيبوا بها. وقد يتعين الاعتراف لـ"الاستبلشمنت" الزعاماتي الماروني الآن، ومن بينهم أيضاً سليمان فرنجية، أنهم يرفعون سقف المعايير لمواصفات رئيس ذي حيثية حقيقية، لئلا يكون دمية، بما يعني إطلاق العنان للعبة تنافس سياسية خضعت بعض الشيء للتصويب والتنقية والحماية من التفاهة التي تتردد مع تسخيف الترشيحات وتحويلها إلى مهزلة.

بذلك لا يبقى أمراً نافلاً أن تعود الحيوية الصاعدة بقوة غير مسبوقة إلى المشهد السياسي لتتنقل بين مقار الزعامات المسيحية المعارضة خصوصاً، وكواليس الكتل والقوى الداخلية لئلا تبقى في خلفية اللبنانيين أسوأ الانطباعات المشينة والمخزية من أيام عنجر المحتلة التي حولها الوصي الأسدي آنذاك إلى مقر لأبشع استخبارات قمعية في التاريخ بعد النازية، أقله تدفق المرشحين على معراب وبكفيا وبكركي وكليمنصو، وطبعاً على بيت الوسط لو كان مفتوحاً، وساحة النجمة لاحقاً في التاسع من كانون الثاني أو سواه كما يفترض، سيكون بمثابة ثأر لعنجر أو لهيمنة "الممانعين" لاحقاً الذين انكشفت صفوفهم عن أخطر العملاء لإسرائيل قبل أي عمالة أخرى... ولهذا بحث آخر لا يجوز القفز فوقه.