المصدر: المدن
الكاتب: ندى اندراوس
السبت 9 آب 2025 01:49:33
تحولت جلسة مجلس الوزراء التي عقدت يوم الخميس في بعبدا إلى محطةٍ مفصليةٍ في مسار البحث في ملفّ سلاح حزب الله. لكن انسحاب وزراء حركة أمل وحزب الله من الجلسة احتجاجًا على إقرار أهداف ورقة الموفد الأميركي توم برّاك لم يؤدّ إلى تفجير الحكومة، إذ نجح رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في احتواء الموقف ومنع تحوله إلى أزمة حكمٍ مفتوحة. وتحرّك الرئيس بين أجنحة الخلاف بحذر، فتوسّط بين رئيس الحكومة نواف سلام والثنائي أمل وحزب الله، وحرص على خفض منسوب التوتّر داخل المجلس مع إقرار الورقة، بما يتيح توجيه رسالةٍ خارجيّةٍ بأنّ لبنان يقوم بواجبه من دون خسارة الاستقرار السياسي الداخلي.
قرار الحكومة اختبارٌ للداخل والخارج
يُعدّ قرار الحكومة اختبارًا داخليًا وخارجيًا في آنٍ معًا. وتوضح مصادر مطّلعة لـ"المدن" أنّ القرار حظي بتجاوبٍ كبيرٍ من معظم الأطراف، باستثناء الثنائي الذي أبدى موقفًا رافضًا لكنّه لم يدفع الأمور إلى التفجير أو المسّ بوحدة البلد. كما يشكّل القرار امتحانًا للأميركيّين والأوروبيين والمجتمع الدولي، ولا سيّما الولايات المتحدة، التي ينتظر منها ترجمة وعودها إلى دعمٍ فعليٍّ للبنان. وهو اختبارٌ كذلك لإسرائيل؛ فإذا كانت جادةً في انتشار الجيش اللبناني في الجنوب فعليها اتخاذ خطواتٍ مقابلةٍ على الأرض. ومن المتوقّع أن يعود الموفد الأميركي توم براك خلال الأسبوعين المقبلين إلى بيروت. ويعوّل لبنان الرسميّ على أنه سيحمل عنصرًا جديدًا يمكّنه من تنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه.
إدارة الأزمة بين الداخل والخارج
جاء تمرير ورقة الأهداف، على رغم الانقسام الحاد، تتويجًا لمسار اتصالاتٍ شاق بدأه الرئيس عون منذ دخول الأميركيين على خطّ المفاوضات. وكشفت مصادر مطلعة على حراك الرئيس والاتصالات التي أجراها أنّه حاول مواجهة واشنطن التي قلبت الأولويّات اللبنانية؛ فبينما كان الطرح الرسمي يضع الانسحاب الإسرائيلي، وإعادة الأسرى، وتنفيذ المطالب الوطنية في المقدمة، أصرّ الأميركيون على البدء بملفّ حصرية السلاح. وفي مواجهة هذا الضغط استطاع الرئيس تمديد المهل الزمنيّة الممنوحة للبنان، بدءًا من تأجيل المهلة الأولى في الأوّل من آب، مرورًا بالتفاهم مع الأميركيين والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على تمديدها حتى نهاية الشهر، وصولًا إلى تثبيت 31 كانون الأول مهلةً نهائية، بعد تنسيقٍ مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وبعلم من قيادة حزب الله.
دور الرئيس في منع التفجير
على الصعيد الداخلي، ظلّت العلاقة بين الرئيس عون والرئيس برّي قائمةً على التنسيق على رغم تباين المواقف، فيما بقيت قنوات التواصل مع حزب الله مفتوحةً ولو ببرود. كما تجلّى هذا التنسيق في استمرار اللقاءات المباشرة وزيارات ممثّلي الحزب إلى بعبدا، ومنها زيارة وزير العمل محمد حيدر، أحد وزراء حزب الله، صباح الجمعة، ما يدلّ على أنّ المشكلة لا ترقى إلى مستوى القطيعة. أمّا اليوم، وبعد انسحاب وزراء الثنائي من الجلسة وعدم موافقتهم على القرار والتحرّك الذي شهده الشارع، فيمكن القول، بحسب المصادر نفسها، إنّ العلاقة مع الثنائي متباينة: "فالعلاقة مع الرئيس برّي لا يشوبها أي توتر على رغم كلّ ما حصل، أمّا مع حزب الله فهناك شيءٌ من النفور تجاه الرئيس، من دون أن يرقى ذلك إلى القطيعة، وزيارة وزير الحزب إلى بعبدا غداة الجلسة خير دليلٍ على ذلك".
يحاول الرئيس دائمًا استيعاب أي ردود فعلٍ وكل ما يمكن أن يؤدّي إلى مواجهة، سواء في السياسة أو على الأرض. وقد أدرك أنّ أيّ تصعيدٍ سياسيّ أو أمنيّ قد يطيح بالمسار التفاوضيّ ويعيد الملفّ إلى نقطة الصفر. ولذلك، هو حرص على إبقاء الأزمة تحت السيطرة بين مختلف مكوّنات الحكومة وبينه وبين الثنائي. وفي الموازاة، كثّف اتصالاته مع الولايات المتحدة وفرنسا ومصر، فجرى اتصالٌ أخيرًا بالرئيس المصريّ عبد الفتاح السيسي، وقبله بالرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون، إضافةً إلى قنواتٍ إقليميّة، بهدف دفع إسرائيل إلى خطواتٍ مقابلة، أبرزها الانسحاب من الأراضي اللبنانية، والإفراج عن الأسرى، وضبط الحدود الجنوبية والشرقية.
بالتوازي مع هذا المسار السياسي، كلّف مجلس الوزراء الجيش اللبناني بوضع خطةٍ تنفيذيّةٍ لبند حصرية السلاح، يعرضها نهاية آب أمام المجلس، على أن تكون المهلة قابلةً للتمديد إذا استدعى الأمر. وكشفت المصادر أنّ الخطة يجب أن تكون جاهزة في الموعد المحدد، وأنّ آليّات تنفيذها معلّقة على توافر القرار السياسيّ وتجاوب الأطراف المعنيّة، ولا سيّما إسرائيل وسوريا، وموافقتهما على المسار الوارد في ورقة توم باراك، سواء على مستوى الأهداف التي أقرّت في جلسة الخميس أو الخطوات اللاحقة.
ويؤكّد رئيس الجمهورية أنّ تنفيذ الخطة يحتاج إلى مناخٍ سياسي ملائم، وغطاءٍ داخلي واسع، وضماناتٍ دوليّة تحول دون مواجهةٍ داخليّة أو صدامٍ بين الجيش وحزب الله، وينطلق من ضرورة توازن المسار بين استعادة الدولة لسلاحها، وتحرير الأراضي، وحماية السيادة على كلّ الحدود.
اليوم، لا شيء طارئ، إذ لا تزال هناك فترة حتّى نهاية العام، لكن كل شيء يتوقف على ردّة فعل إسرائيل. فليس من الصعب على الجيش وضع خطةٍ على الورق، لكن مؤشرات التنفيذ تبدأ بفهم ردّ الفعل الإسرائيلي على القرار اللبنانيّ وما إذا كانت إسرائيل ستلتزم بالجزء المتعلّق بها من الاتفاق أو ستباشر تنفيذ إحدى الخطوات المطلوبة أولًا. كما أنّ تطبيق الخطة لن يحصل قبل توافر مناخٍ سياسيٍّ ملائم وغطاءٍ خارجي. وقد أكّد الرئيس عون مرارًا أنّه لا يريد أن تذهب الأمور إلى مشكلةٍ داخلية أو مواجهةٍ بين الجيش وحزب الله أو إلى إشكالاتٍ في الشارع. وهذا ما تم تجاوزه حتى الآن، وسيستمر الجهد على هذا المستوى بشكلٍ دائم، بتوافق بين الجميع على منع انفلات الأمور في الشارع. ولكن، في النهاية، وفق أوساط معنيّة بالتنسيق الميداني المباشر أو غير المباشر، لا يمكن التكهّن بكيفيّة تطوّر الأمور؛ فالنجاح في التنفيذ يتوقّف على مدى تجاوب حزب الله، وبما إذا كانت إسرائيل ستقبل بخطة الجيش أم ستستمرّ في اعتداءاتها. كما أنّ كلّ شيء مرتبط بالموقف الأميركي والقرار بالضغط على إسرائيل للالتزام فعلاً بما تعهّدت به".
في ظلّ هذا الهدوء النسبي والمقاربة المتأنية التي يجريها رئيس الجمهورية، يستمرّ البحث في ورقة براك وقرار الحكومة في انتظار خطة الجيش، في محاولةٍ للوصول بالبلد إلى برّ الأمان من خلال إعادة السلاح إلى كنف الدولة، وسحب الذرائع من يد أي معتدٍ، وتحرير الأراضي اللبنانيّة، وإعادة الأسرى، وحفظ السيادة، وضمان الأمن والاستقرار، جنوبًا مع إسرائيل، وشرقًا وشمالًا مع سوريا.