"رجل روسيا" في الجنوب السوري.. ماذا فعل أحمد العودة؟ وماذا ينتظره؟

بعد توقف القصف على أحياء درعا البلد في الجنوب السوري، إثر الواقع الجديد الذي فرضه اتفاق "التهدئة" الأخير، تشير معظم المعطيات على الأرض إلى أن الأمور ذاهبة باتجاه إعادة الانتشار العسكري لقوات بشار الأسد في المنطقة، وهو تطور لم يحدث منذ 8 أعوام.

في المقابل، وعلى بعد كيلومترات قليلة شرقا، يسود هدوء طويل ومزمن مدينة بصرى الشام، التي تعتبر المعقل الأبرز للقيادي السابق في المعارضة، أحمد العودة، وقواته التي يبلغ عددها قرابة ألفي مقاتل.

اسم العودة تردد كثيرا خلال الشهرين الماضيين، وقبل ذلك في جلسات التفاوض التي عقدها ضباط روس مع ممثلي اللجان المركزية، على أن يكون له دور في عملية الانتشار العسكري، باعتباره بديلا محليا "مقبولا شعبيا"، قياسا بقوات الأسد، وتحديدا قوات "الفرقة الرابعة".

هو رجلٌ يختلف عن القياديين العسكريين الذين ظهروا على الواجهة قبل 10 سنوات، كونه لا يملك أي خلفية عسكرية، شارك في البدايات الأولى للعمل المسلح ضد النظام السوري، وانقلب رأسا على عقب بعد عام 2018 ليصبح "رجل روسيا في الجنوب السوري"، أو وكيلها، بحسب وصف مصادر غربية.

وبعد "اتفاق التسوية" عام 2018 كان العودة القيادي الأبرز الذي رفض مع مقاتليه الخروج إلى الشمال السوري، وبآلية لم تعرف أهدافها حتى الآن شكّل ما يسمى بـ"اللواء الثامن"، وانضم لتشكيل "الفيلق الخامس"، الذي يتلقى دعما عسكريا ولوجستيا من روسيا.

وفي ظل ما يشهده الجنوب السوري في الوقت الحالي، تتجه الأنظار إلى ذلك القيادي ومقاتليه. فأي مصير ينتظره وينتظرهم؟ وما الدور الأساسي الذي لعبه العودة في السابق، ويسعى لتعزيزه اليوم وغدا؟ 

حاول موقع "الحرة" التواصل مع العودة للحصول على ردود تتعلق بوضعه وأهدافه في الجنوب السوري، إلا أنه رفض التصريح لوسائل الإعلام، كما امتنع مقربون منه أيضا عن التعليق.

ضغوط وعقبات

واتفق محللون وباحثون، تحدث إليهم موقع "الحرة"، على أن القيادي العودة، الملقب بـ"أبو حمزة"، ومنذ تشكيله "اللواء الثامن" بات يفكر بالسياسة على قدر أكبر من العسكرية، بمعنى أنه كان يحسب جميع الخطوات قبل الإقدام على واحدة منها، لغايات مستقبلية أكثر من آنية.

وخلال الأعوام الثلاثة الأخيرة لم يسجل للعودة تدخله في مواجهات كبيرة ضد قوات النظام السوري، وفي المقابل لم يشارك إلى جانب المناطق "الثائرة"، رغم الدعوات التي وجهت له، وآخرها من أهالي درعا البلد.

وكان لافتا قيامه بدور "الوساطة" في مناطق عدة، أبرزها في مدينة الصنمين، التي شهدت توترا عسكريا، مطلع العام الماضي، انتهى باتفاق "تسوية" جديد ما بين النظام السوري ومسلحين معارضين.

لكن، ومنذ مطلع العام الحالي تبدلت الظروف قليلا، وبات القيادي يتعرض لضغوط من الطرف الداعم له (موسكو)، بسبب رفضه قتال تنظيم داعش في البادية السورية، الأمر الذي كان كفيلا بقطع الرواتب الشهرية عن مقاتليه، بحسب ما يقول الناشط المعارض، عمر الحريري.

ويقول الحريري في حديث لموقع "الحرة": "مستقبل قوات أحمد العودة إلى الحل، وإعادة الدمج ضمن جيش النظام السوري بشكل كامل، كباقي التشكيلات الأخرى".

ولا يتوقع الناشط المعارض استمرار حالة قوات العودة كما هي الآن، لأنها أقرب إلى حالة الفصائل العسكرية، مقارنة بباقي الوحدات العسكرية للنظام السوري.

وما يعزز الأمر هو بدء ضغوط النظام السوري وروسيا عليها، من خلال تحجيمها ومنعها من التدخل في كثير من أحداث درعا، وأخيرا قطع الرواتب المستمر منذ 7 أشهر تقريبا.

ويشير الحريري إلى أن صعوبات أخرى يواجهها القيادي العودة، من بينها انشقاق بعض المقاتلين عنه، موضحا: "هناك كثير من المنشقين، ومنهم من هرب إلى أماكن أخرى، أو حتى ترك الفيلق وانضم إلى تشكيلات أخرى للنظام من أبناء المناطق الأخرى".

خياران فقط

ورغم تصدر اسم "العودة" عند الحديث عن قوات "الفيلق الخامس" في الجنوب السوري، إلا أن هناك اسما ثانيا يعمل إلى جانبه، خلف الأضواء، وضمن التشكيل العسكري الواحد.

الاسم هو العقيد نسيم أبو عرة، وما يميزه عن العودة، هو الخلفية العسكرية. فبينما تدرج الأول برتب عسكرية متنوعة لم يوسّم الثاني بأي رتبة، نظرا لخلفيته المدنية، إذ يحمل شهادة في الأدب الإنكليزي، ورغم ذلك قاد تشكيل "قوات شباب السنة" لأعوام طويلة.

ويتابع الناشط المعارض عمر الحريري: "صحيح أن العودة فرضته المرحلة، لكن قواته متماسكة باعتبارها تكتلا لأبناء المنطقة، وليست تكتلا أيديولوجيا أو عسكريا. هم فعلا حالة فصائلية أقرب منها لأي شكل آخر في الجيش".

ويضيف الحريري: "النظام طبعا حاول إعادة تركيبهم وتنصيب ضباط ذوي رتب عليهم. قيادة اللواء الثامن هي للعقيد أبو عرة، وإذا ما أزلنا سبب التماسك، وهو المنطقة الواحدة، فإن التشكيل سينحل بسرعة".

في المقابل، وفي تعليقه عن دور العودة في أحداث درعا البلد الأخيرة، يرى الباحث في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، نوار شعبان، أن العودة "كان أمامه خياران فقط".

ويقول في حديث لموقع "الحرة": "الخيار الأول باتخاذ موقف قطعي والوقوف مع الأهالي، أما الثاني فهو السماح لأفراده بشكل غير ممنهج في إدخال المساعدات، وتنفيذ عمليات ضد تشكيلات النظام لكن ليس ضمن منظومة مركزية".

ويوضح شعبان أن قوات "اللواء الثامن" تتعرض لضغوط مالية فرضها الروس، مما أدى إلى نوعين من النشاطات، الأولى هو تقييد عمل المقاتلين، والثانية هي ترك السلاح والخروج إلى الشمال السوري ومناطق أخرى عبر طرق التهريب.

وبرأي الباحث فإن "العودة درس الموضوع من ناحية سياسية، ويحاول الحفاظ على المكاسب التي حاز عليها عام 2018. يفكر بالعودة وليس بأهالي درعا. هو يعمل لنفسه فقط".

دور مستقبلي؟ 

منذ اتفاق 2018 قلما خرج العودة إلى دائرة الضوء الإعلامية، لكنه أعلن في يونيو العام الماضي، وبشكل مفاجئ، نيته تشكيل "جيش واحد لمنطقة حوران" في الجنوب السوري.

وجاء ذلك خلال كلمة مصورة له قال فيها: "قريبا ستكون حوران جسد واحد وجسم واحد وجيش واحد، وهذا التشكيل لن يكون لحماية حوران فقط، إنما الأداة الأقوى لحماية سوريا".

وحتى الآن لم يبصر "جيش العودة" النور، وهو ما يعزز فرضية "المستقبل المجهول" له في المنطقة، في ظل توسع انتشار التشكيلات العسكرية للجيش السوري.

لكن المحامي السوري والكاتب في الشأن السياسي، حسان الأسود، له رأي مخالف، ويقول: "روسيا لن تتخلى عن اللواء الثامن وأحمد العودة. سيكون له دور في المستقبل".

ويضيف الأسود في تصريحات لموقع "الحرة": "قد يكون القائد الميداني الوحيد الذي يحمل شهادة جامعية من بين قادة الفصائل في الجبهة الجنوبية. كان شخصا ثائرا وعاملا رئيسيا في السيطرة على بصرى الشام في السنوات السابقة".

وخلال الأعوام الأولى من العمل المسلح ضد النظام السوري خسر العودة ثلاثة من إخوته، لكنه استطاع، من بين مجموعة قادة ميدانيين، أن يجنب بصرى الشام حالة الفوضى والتشتت، كما منع قوات الأسد، وأفرع المخابرات، من الدخول إلى المنطقة التي يسيطر عليها.

ويتابع الكاتب السوري: "استطاع أن يجنب بصرى الشام الدمار والحرب. منع التهجير، وأصبح مظلة احتمى تحتها الشبان المطلوبون للخدمة الإلزامية والاحتياطية".

وتدل المؤشرات الحالية، بحسب الأسود، على أن "شكل الحل النهائي هو الذي يحدد أدوار الأشخاص سواء السياسيين والميدانيين. فجميع الشخصيات قابلة للتطور والزوال".

ومع ذلك يرجح الكاتب السوري أن "يتعاظم دور العودة في الأيام المقبلة. إذا كانت هناك إرادة دولية في محاربة الوجود الإيراني في الجنوب، سيتم البحث عن أفراد مثله للاعتماد عليهم في تشكيل قوى عسكرية أو منظمة لمواجهة هذا الخطر".

اندماج وإعادة هيكلة

وفي غضون ذلك، وفي ما يتعلق بـ"الفيلق الخامس" الذي ينضوي العودة تحت اسمه، فهو تشكيل يعود الإعلان عنه إلى شهر نوفمبر عام 2016، وحينها تم الترويج له كمشروع روسي بامتياز، من أجل "القضاء على الإرهاب".

ومنذ سنوات أقدمت روسيا على ضم عدة تشكيلات عسكرية إلى "الفيلق"، من بينها تلك التي كانت سابقا ضمن صفوف "الجيش الحر"، ووقعت مؤخرا على ما يسمى بـ"اتفاقيات التسوية".

وعملت روسيا على تدريب قوى عسكرية عرفت بـ"قوات النمر" التي يترأسها العميد سهيل الحسن، وفي أغسطس 2019 تم تعديل اسمها ليصبح "الفرقة 25 مهام خاصة – مكافحة الإرهاب".

ويرجح الكاتب والباحث في الشؤون الروسية، بسام البني أن يتم "إدماج قوات أحمد العودة في الجيش السوري، مع نضوج الحل السياسي، من خلال تطبيق قرار مجلس الأمن 2254".

ويقول البني في تصريحات لموقع "الحرة": "روسيا لديها رؤيا استراتيجية عميقة وبعيدة الأهداف لمستقبل سوريا الدولة الموحدة المترابطة. ستستطيع تحقيق كل ما سبق؟ يبقى السؤال مفتوحا برسم الزمن".

أما في ما يتعلق "بأي فصيل مسلح خارج عن سيطرة الدولة السورية"، يتابع البني: "هو أمر مرفوض أو على الأقل ضرورة مرحلية ستزول. روسيا لا يمكنها أن تتعامل مع فصائل مسلحة أيا كان انتماؤها".