رذاذ أيلول السياسي

تتدافع فوق لبنان غيوم ورياح دولية وإقليمية متماوجة، ولم يتبيّن بعد ما إذا كانت ستمطر انفراجاً على طرف أيلول، أو تتجمّع كي تُحدث عصفاً يُعيد رسم التوازنات والأحجام والخرائط.


من المحادثات الحوثية السعودية في الرياض،
إلى الحدود السورية العراقية المتحركة،
إلى النظام السوري الخاضع لتجربة انتفاضات جديدة واختناق اقتصادي،
إلى أفق مقايضة المعتقلين الرهائن بالأموال المجمدة بين واشنطن وطهران،
وصولاً إلى الحدثَين المميزَين خلال الأسبوع المقبل:


الأول في نيويورك للجنة الخماسية الخاصة بلبنان، على مستوى وزراء الخارجية.
والثاني في مرسيليا بين قداسة البابا فرنسيس والرئيس الفرنسي آمانويل ماكرون.
مشهدية تظلّل الحركة اللبنانية البلدية البليدة بين حوار لو دريان وحوار بري، اللذين يدوران على نفسيهما في انتظار ما تقرره عواصم القرار.


ولم يعد مستوراً ما انتهت إليه مهمة لو دريان لجهة شطب نتائج جلسة ١٤ حزيران بأرقامها ومرشحَيها، وانسجام باريس مع رؤية المملكة العربية السعودية وقطر ومصر، تحت العناية الأميركية، في اتجاه "الخيار الثالث".


كما لم يعد سرّاً أن "حوار بري" غير نافذ سياسياً ودستورياً وميثاقياً، وربما فتشوا له عن مخرج لإنقاذ ماء وجهه، عبر "حوار مبتور" بمن حضر، كمدخل شكلي فولكلوري إلى جلسة انتخاب الرئيس بدورات مفتوحة.
ولا تغيب عن تقدير المراقبين، فوق هذه الإشكاليات، الزيارة اللافتة التي قام بها رئيس كتلة "حزب اللّه" النائب محمد رعد إلى المرشح سليمان فرنجية، بحقيقة دوافعها وخلفياتها.


صحيح أنها حصلت بعد لقاء رعد مع قائد الجيش جوزيف عون، وبعد انطلاق الحوار بين "الحزب" و"التيار العوني"، وكأنها زيارة تطمينية لمرشح "الممانعة" المخضرم، إلّا أنها تحمل فعلياً رسالة واقعية، بإبلاغه تبدّل المعطيات التي كانت تفرض التمسّك به، خصوصاً بعد زيارة وزير الخارجية الإيرانية عبد اللهيان إلى الضاحية، مع "نصائحه" التهدوية لنصراللّه.


ولا يخفى عن عيون هؤلاء المراقبين أن طهران دخلت في تسويات مع الرياض بدءاً من اليمن، ومع واشنطن بدءاً من الأسرى والمال. ولا شك أن لهذه التسويات أثماناً جانبية تدفعها إيران في "عواصمها" العربية الأربع، ومنها حكماً بيروت، وكذلك دمشق.


وهذا هو في العمق ما تعنيه عبارة "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول" الواردة في اتفاق بكين بين إيران والسعودية. ولا بدّ من التزامها كي ينجح تنفيذ هذا الاتفاق.


وبناء على ما تقدّم، بات واضحاً أن سُحُب أيلول بدأت تتحول رذاذاً هادئاً قبل عواصف الشتاء. ولعلّ في هذا الرذاذ السياسي ما يُنعش قليلاً لبنان، فيكون له رئيس جمهورية من خارج "القيد الممانع"، تبدأ به ومعه رحلة الألف ميل، نحو الخلاص.