المصدر: وكالة الأنباء المركزية
لم ينجح السفير السوري علي عبد الكريم علي من خلال تصريحه عقب زيارة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون امس في تبرير رفض بلاده استقبال وفد لبنان لترسيم الحدود الذي كان مفترضا اليوم، بحجة ارتباطات مسبقة، ولا اقنع احدا من اللبنانيين بذريعة ممجوجة لكثرة ما استخدم منها النظام في تعاطيه مع الدولة اللبنانية منذ اثارة ملف ترسيم الحدود قبل سوات، حينما طلب ارسال وثائق الى الامم المتحدة تثبت لبنانية مزارع شبعا، فلم يفعل حتى الساعة.
السفير، الذي منحه الرئيس عون وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط اكبر تقديرا لجهوده في تعزيز العلاقات اللبنانية - السورية وتطويرها، علما انه لم يزر مرة مخيما للاجئين من مواطنيه في لبنان ولا ترجم عمليا ايا من مواقفه في اطار تسهيل عودتهم ولا سعى حتى الى تسهيل ترسيم حدود بلاده البحرية مع لبنان، تحدث عن "لبس" في اتصال عون –الاسد وعن عدم مناقشة موعد واعلانه من لبنان قبل الرد السوري، الا ان حجته غير المدعّمة، وقد بدا هو نفسه مرتبكا في حياكة ونسج تفاصيلها، تؤكد بما لا يرقى اليه شك ان خلف الخطوة السورية اكثر من رسالة للبنان، والارجح لغيره من العواصم الكبرى ايضا.
ومع ان البعض عزا "الصفعة" السورية للعهد الى عدم استعداده منح جائزة ترضية لحليفه الرئيس عون الذي لم يبق على مغادرته القصر الجمهوري سوى بضعة ايام، والى "العنجهية" السورية والفوقية التي لطالما تعاطى بها النظام مع الدولة اللبنانية وهو لم يكن ليعترف بها لولا جهود جبارة وحثيثة بذلها الرئيس ميشال سليمان وتمكن من انتزاع اقرار سوري باقامة علاقات دبلوماسية عام 2009، من دون ان تنفذ سوريا سائر ما اتفق عليه آنذاك، تعتبر مصادر سياسية مطلعة على حيثيات العلاقة بين البلدين عبر "المركزية" ان خلف الرفض السوري ما هو ابعد من مواعيد لم تُنسق وارتباطات مسبقة. الرئيس الاسد وجّه مجموعة رسائل لمن يعنيهم الامر في لبنان وخارجه، من شأن استخدامها ان يدّعم اوراقه ويقوي موقعه التفاوضي في اي مشروع ترسيمي، فيقبض ثمنه سلفاً.
الرسالة الاولى الى السلطة اللبنانية مفادها ان ملفا على مستوى الترسيم لا يرأسه نائب مهما علا شأنه "فالتخاطب معنا يحتاج الى مفاوض رئاسي"، ذلك ان زيارة
على هذا المستوى تنتزع اقرارا لبنانيا رسميا بعودة العلاقات السياسية الى سابق عهدها،قبل اندلاع الحرب في سوريا.
الثانية من طبيعة عربية، اذ فيما لا تزال سوريا مقصية عن مقعدها في الجامعة العربية للعام الحادي عشر على التوالي، وستستمر على الارجح حتى العام المقبل في ضوء رفض قطري لعودتها الى الحضن العربي في قمة الجزائر مطلع الشهر المقبل وتراجع حاد عن خطوات الانفتاح الخليجي تجاهها، لن يبيع النظام ورقة ترسيم حدود لبنان الذي يحظى باهتمام عربي في ظل ازماته القاتلة ،ولن يُسهل ما يصب في الاتجاه هذا، ان لم يقبض الثمن سلفاً.
ثالث الرسائل موجهة الى واشنطن التي توسطت وضغطت وتمكنت من اقناع لبنان واسرائيل بترسيم حدودهما البحرية، على رغم عداوتهما. وهنا تقول المصادر ان الاسد، وازاء الانكفاء الروسي عن التدخل في اي خطوة من هذا النوع لانشغاله بالحرب في اوكرانيا، يسعى الى جذب الاميركي اليه، اعتقادا منه انه، إن كان حقا مهتما بلبنان وانقاذه لا سيما مع اضافة ازمة الفراغ الرئاسي الى جبل ازماته، قد يُستدرج الى التدخل مع السوري لتسهيل المهمة فينتزع منه تواصلا ثانيا معه بعد تواصل يتيم تم بين الرئيسين الاسد وجو بايدن منذ مدة بشأن الصحافي اوستن تايس، وتاليا محاولة عودة الى الساحة الدولية.
وفّر ترسيم الحدود اللبنانية -الاسرائيلية لنظام الاسد ورقة يلعبها "صولد" لاعادة تعويم نفسه، يضغط بها في مختلف الاتجاهات، وهو مرتاح، ما دام وقع العام الماضي، اتفاقا مع شركة "كابيتال" الروسية للتنقيب عن النفط، وهي غير معروفة، في مقابل ساحل طرطوس حتى الحدود البحرية الجنوبية السورية - اللبنانية بمساحة 2250 كيلومتراً مربعاً. آنذاك فوجئ لبنان بأن الإحداثيات المتعلقة بحدود البلوك الملزم والمنصوص عنها في العقد، تتداخل مع البلوكين (1) و(2) من الجانب اللبناني بما يناهز 750 كيلومتراً مربعاً داخل الحدود البحرية اللبنانية، إضافة إلى قضم الجانب السوري مساحة 150 كيلومتراً مربعاً في المنطقة المحاذية للبلوكات، ليصبح مجموع المنطقة المتنازع عليها مع سوريا 900 كيلومتر مربع. مساحة تمنح الجانب السوري مادة دسمة لاستخدامها في استدراج من يهمه امر لبنان وانقاذه للتواصل معه ولسان حاله "في جيبي مفتاح مساعدة لبنان لمن يودّ، فتواصلوا معي".