رسالة الاستفسار وكبسة زر الحجار

يقارب البعض ملف جمعية القرض الحسن، وكأنه شأن مالي داخلي، يمكن حسمه من خلال قرار إقفال تتخذه وزارة الداخلية، بعدما يتبين لها وجود مخالفات لقانون الجمعيات، يستوجب سحب الترخيص. هذه المقاربة تنطوي على تبسيط وخبث في آن.

من يتهم حاكم مصرف لبنان كريم سعيد بأنه يعمل على تزويد وزارة الداخلية بملف مخالفات جمعية القرض الحسن تمهيدًا لاتخاذ قرار إغلاقها، يضحك على الناس. من يعرف الحاكم، يعرف بالتأكيد أن الرجل يضع "الكتاب" بشكل دائم على مكتبه، وكلما أراد اتخاذ قرار يعود إلى "الكتاب" لكي يتأكد أن القانون يسمح أو ينصّ على ذلك، ونقطة على السطر

انطلاقًا من هذا الواقع، ما قام به مصرف لبنان هو التالي: بعث برسالة استفسارية إلى وزارة الداخلية سألها فيها إذا كانت لديها أية معلومات عن أية أنشطة مصرفية أو غير مصرفية، (para banking) تقوم بها جمعية القرض الحسن. وانتهى الموضوع عند هذا الأمر.

وكلنا نعرف أن إقفال جمعية القرض الحسن، ليس مجرد قرار قانوني أو تقني تتخذه وزارة الداخلية بناء على معلومات يقدمها لها هذا الطرف أو ذاك. الكل يعرف أيضًا، أن قرار إغلاق جمعية مخالفة "تمتلكها" زوجة رئيس أو زعيم، يحتاج إلى قرار سياسي، ولا يرتبط بقرار إداري يصدر عن وزارة. فما بالك، إذا كان القرار المطلوب يقضي بقطع الذراع المالية لـ "حزب الله"، والبعض يعتبرها مصرفه المركزي.

بدوره، الربط بين التعميم 170، واحتمال اتخاذ قرار بإلغاء رخصة جمعية القرض الحسن، يبدو غير منطقي، لأن المركزي أكد أن التعميم هو احترازي ويهدف حصرًا لحماية المصارف اللبنانية من التعامل مع أية جهة محظورة بما قد يؤدّي إلى الإضرار بعلاقة هذه المصارف بالمصارف المراسلة. ولمن لم يصدّق أن هدف التعميم حماية المصارف اللبنانية، يستطيع أن يراجع ما نشره أحد مراكز البحوث الأميركية قبل 3 أيام، والذي يدعو بوضوح إلى معاقبة أحد المصارف اللبنانية، الذي سبق وفرضت وزارة الخزانة الأميركية على رئيس مجلس إدارته السابق عقوبات اضطرته إلى ترك منصبه. هذا الكلام المنشور حديثًا يمهّد على الأرجح إلى وضع المصرف على اللائحة السوداء وإغلاقه.

في النتيجة، صحيح أن وزير الداخلية العميد أحمد الحجار، يتمتّع بالجرأة والنزاهة الضروريتين لاتخاذ أي قرار تحت سقف القانون، لكن الصحيح أيضًا أن مسألة من عيار إغلاق القرض الحسن لا تتعلق حصرًا بالجرأة والنزاهة، بل تحتاج إلى قرار سياسي تتخذه حكومة الرئيس نواف سلام.

أما اذا استفقنا يومًا، ومن دون سابق إنذار، على قرار صادر عن الداخلية بسحب ترخيص جمعية القرض الحسن، ومنع كل أنشطتها، فلا يعني ذلك أن الحجار، وبعد اطلاعه على ملف المخالفات، قرر شطب القرض الحسن عن لائحة الجمعيات المرخّصة، بل يعني بوضوح لا لبس فيه، أن الإدارة السياسية في البلد اتخذت هذا القرار، ولو بشكل غير علني، وأبلغته إلى وزير الداخلية للتنفيذ. وبعد ذلك، يصبح قرار إقفال القرض الحسن من قبل الحجار كبسة زر.

وبصرف النظر عن توقيت قرار وقف عمل جمعية القرض الحسن كمؤسسة مالية، لا بدّ من اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية حقوق الأفراد الذين تعاملوا مع هذه الجمعية، وهم بالمناسبة، وإن كانت غالبيتهم من بيئة "حزب الله"، إلا أن اللائحة تضمّ أعدادًا لا بأس بها من مواطنين من خارج هذه البيئة. هؤلاء اندفعوا للتعامل مع هذه الجمعية، في غياب قطاع مصرفي، مسؤولة عن غيابه حتى اليوم، سلطة تقاعست 6 سنوات، عن معالجة انهيار مالي واقتصادي غير مسبوق!