رغم العقوبات والحصار.. شبكة إيرانية معقدة تغذي "حزب الله" بمليار دولار

رغم العقوبات والحصار الأميركي الخانق على إيران و"حزب الله"، كشفت مصادر "إرم نيوز" عن استمرار تدفق الأموال من طهران نحو الحزب عبر شبكة تمويل معقدة تتوزع بين شركات واجهة وصرافات وتحويلات غير رسمية.

وتشير المعلومات إلى أن حجم التمويل خلال العام الجاري تجاوز المليار دولار، في واحدة من أوسع عمليات التحايل المالي التي تخوضها طهران منذ عقود لدعم ذراعها في لبنان.  

تدفق الأموال مستمر

 قالت مصادر أمنية لبنانية لـ"إرم نيوز" إن إيران تواصل ضخ الأموال إلى ميليشيا حزب الله، رغم كل الإجراءات الرقابية والعقوبات التي تلاحق كل المتورطين في هذا الملف. وأشارت المصادر في تصريحات لـ "إرم نيوز" إلى أن جزءاً مهما من التمويل الذي تخصصه إيران للحزب يمرّ عبر سلاسل تجارية غير شرعية وعمليات بيع نفط وسلع إيرانية تُحوّل قيمتها إلى أموال سائلة تُدفع لاحقا إلى شبكات داخل لبنان عبر صرافات رسمية وغير رسمية.

وكان نائب وزير الخزانة الأمريكي لشؤون الإرهاب والمعلومات المالية، جون هيرلي، كشف أمس أن إيران أرسلت هذا العام نحو مليار دولار لحزب الله. وأكد نائب وزير الخزانة الأمريكي أن مفتاح نزع سلاح حزب الله هو قطع الأموال المرسلة من إيران، وأنه "إذا استطعنا نزع سلاح حزب الله، فسيتمكن شعب لبنان من استعادة بلده".

وقال هيرلي: "على الرغم من كل ما مرت به إيران، وحتى مع تدهور اقتصادها، فإن نظامها ما زال يضخ أموالا كثيرة إلى ميليشياته المسلحة ووكلائه من الجماعات الإرهابية".

ووثّقت وزارة الخزانة الأمريكية والدوائر الاستخباراتية حالات تستخدم فيها شركات واجهة وتجارا محليين لتبييض عوائد بيع بضائع وإيصالها نقدا إلى وسطاء لبنانيين مرتبطين بمسؤولين ماليين لدى الحزب. 

واستهدفت الإجراءات الأمريكية الأخيرة لخنق حزب الله أفرادا ووكلاء يقومون بتسييل عوائد بيع نفط أو بضائع في الخارج وتحويلها داخليا عبر هذا النمط من الوسطاء. 

كيف تتحايل طهران ؟

المصدر الأمني اللبناني، كشف أن إيران وحزب الله، يعتمدان للحفاظ على تدفق الأموال الإيرانية إلى الحزب، على بنوك صغيرة وشركات تحويل. وينقل المصدر عن خبراء ماليين أن الجانبين يعتمدان على مزيج من صرافات محلية وغير مرخصة لتحويل مبالغ نقدية، و شركات ناقلة تعمل بواجهة "تجارة شرعية".

وأضاف أن التحويلات تتم أيضا عبر دول طرف ثالث حيث الرقابة المصرفية أضعف، ويستغلان الأسواق السوداء لشراء العملة الصعبة.

من جهته، أشار الباحث والكاتب السياسي علي حمادة في تصريحات لـ "إرم نيوز" إلى وجود شركات أموال خاصة بحزب الله يتم تدويرها في سوق الكاش اللبناني عبر شركات التحويلات المالية المخالفة والتي تعمل في التحويلات المالية، بعضها - حسب قوله - شركات أمريكية لديها وكلاء من لبنان، وبعضها سبق أن عملت في العراق ونجحت في تبييض مبالغ ضخمة من أجل تمويل ميليشيات في العراق، وفقا لحمادة.

وينقل حمادة عن خبراء لبنانيين، أن حجم الكتلة النقدية داخل لبنان يوازي تقريبا حجم الاقتصاد اللبناني، حيث يقدر المبلغ بأكثر من 14 مليار دولار كاش، في حين أن حجم الاقتصاد اللبناني بأكمله لا يتجاوز 22 مليار، ما يعني أن اقتصاد الكاش يبلغ ضعف ونصف تقريبا حجم الاقتصاد الرسمي المصرح به أمام السلطات والمؤسسات الرسمية اللبنانية، وهو غير خاضع للضرائب.

في هذا السياق لفت حمادة إلى أن حزب الله يستفيد أيضا من عمليات التهريب غير المباشرة لمئات السلع التي تدخل السوق اللبنانية والممولة من الخارج، حيث يتم تسييل جزء أساسي من المبالغ "نتحدث هنا عن مواد بناء وإلكترونيات بكافة أشكالها (هواتف وكاميرات ومعدات إلكترونية بكميات ضخمة)"، مضيفا أن جزءا منها يتم بيعه للسوق السورية .

 وبالتوازي، تشير تقارير استخباراتية غربية إلى استمرار طرق التهريب عبر سوريا كخط رئيسي لإيصال الأموال من إيران والعراق، رغم جهود أجهزة الأمن السورية للحدّ من عمليات التهريب. ويؤكد حمادة في هذا السياق إلى وجود "شبكات قديمة" تعمل عبر طرق برية ونقاط عبور معروفة أحياناً؛ كما تستغل بعض الشحنات التجارية والطرود الدبلوماسية وإعادة تغليف البضائع لنقل أموال وأسلحة ومواد لوجستية.

خنق الإمداد دونه مصاعب

وفقا لتقارير غربية، تشتمل الخطة الأمريكية لقطع التمويل عن ميليشيا حزب الله، على حملة ضاغطة مزدوجة: عقوبات مالية استباقية على "حملات الأموال" وشبكات التبادل، وضغوط دبلوماسية على المصارف وبلدان وسيطة لوقف استغلالها في التهرب المالي؛ كما تترافق هذه السياسة مع طلبات لتشديد الرقابة الحدودية اللبنانية ومراقبة الرحلات الجوية التي يُشتبه بنقلها موارد أو شخصيات مالية. 

ولكن المصدر الأمني اللبناني أقر بصعوبة التنفيذ، بسبب تعقيد شبكة الوسطاء ووجود قنوات مالية بديلة (مادية وغير رسمية) وصعوبة ضبط الحدود البرية والمطارات، إلى جانب الخلفية السياسية اللبنانية التي تجعل أي إجراء محلي حساسا قد يؤدي إلى أزمة داخلية، وفق قوله.  

ولفت المصدر إلى أن إيران باتت خبيرة في التحايل على العقوبات، وهي قادرة على تعديل تكتيكاتها، مثل زيادة اللجوء إلى الصفقات غير الرسمية أو تحويل مزيد من الموارد إلى قدرة تصنيع محلية لدى الحزب، ما يقلّص أثر العقوبات الاقتصادية لوحدها. 

وأفاد بأن المعطيات تُظهر أن واشنطن وتل أبيب تحاولان استثمار "النافذة السياسية" الحالية للضغط المالي والميداني على حزب الله، عبر عقوبات تستهدف وسطاء ماليين وعمليات عسكرية تهدف لقطع خطوط التوريد. 

مع ذلك، ختم المصدر بالقول إن الشبكات القديمة وطرق التهريب والقدرة على التكيُّف وعنصر المرونة لدى الطرفين (إيران وحزب الله)، تحافظ على تدفق مهم للأموال والسلاح، ما يعني أن المعركة ستكون طويلة ومفتوحة على سيناريوهات متعددة، حسب قول المصدر.