رغم محاولات التهدئة.. لماذا تبدو المواجهة بين إسرائيل وحزب الله حتمية؟

قالت مصادر عسكرية وسياسية لبنانية وعربية، إن كل المؤشرات الميدانية في جنوب لبنان وشمال إسرائيل تشير إلى أن الحرب التالية بين حزب الله وإسرائيل باتت مسألة وقت لا أكثر، رغم كل محاولات التهدئة والوساطات، وآخرها الوساطة المصرية الأمريكية. 

وقال مصدر عسكري لبناني لـ "إرم نيوز" إن الهدنة التي وُقّعت أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2024 لم تُنهِ الاشتباك؛ بل نقلته إلى نمط "استنزافٍ ذكيّ"يعتمد على ضربات إسرائيلية متقطّعة داخل لبنان، وجهود لبنانية محدودة لنزع السلاح جنوبا، مقابل تعافٍ تنظيمي وتسليحي لحزب الله وإعادة توزيع لقدراته في العمق. 

بينما يشير مصدر سياسي إلى أن هذا التقدير تدعمه أيضا مؤشرات علنية، على رأسها المناورات الإسرائيلية واسعة النطاق على جبهة الشمال، وضربات جوية دقيقة داخل لبنان بعد الهدنة، وحديث رسمي متكرر عن إلزام بيروت بتجريد الحزب من السلاح. 

مؤشرات الحتمية .. إسرائيليا

المصدر العسكري اللبناني قال لـ "إرم نيوز" إن إسرائيل حولت الهدنة إلى نافذة إعداد، حيث أنهت فرقة الجليل/91 أكبر تمرين منذ اندلاع الحرب، على القتال الدفاعي والهجومي برا وبحرا وجوا، مع محاكاة كثيفة للطائرات المُسيّرة وعمليات عمق، وهو توصيف ينسجم مع تدريب على حملة متعددة الأذرع شمالا. ويلفت إلى تصريحات قادة الشمال (ومنهم العميد يوآف/يوفال غِز) التي رافقت ذلك بهدف طمأنة الجبهة الداخلية ورفع الجاهزية. 

ويشير المصدر إلى أن الجيش الإسرائيلي استهدف مواقع ومخازن ومنشآت مرتبطة بأسلحة دقيقة يمتلكها حزب الله في البقاع والضاحية، بما في ذلك قصفٌ متكرر بعد دخول الهدنة حيّز التنفيذ، في رسالة واضحة: منع إعادة بناء الأسلحة الدقيقة قبل الجولة التالية. 

ويقول إن إسرائيل استخلصت العبر من ليلة 7 أكتوير، وقامت بإعادة تصميم منظومات الإنذار المبكر ودمج استخبارات متعدّدة المصادر لتفادي مفاجأة استراتيجية ثانية، من حزب الله هذه المرة، حيث تظهر أبحاث مراكز إسرائيلية وأكاديمية، مراجعات عميقة لسلسلة القيمة الاستخباراتية (من الفرضية حتى القرار العملياتي). 

ويضيف المصدر إلى كل ما سبق، الضغط السياسي على لبنان، حيث تلوّح إسرائيل بتوسيع العمل العسكري إن تعثّرت عمليات تجريد الحزب من السلاح وفق ترتيبات الهدنة، في ظل حديث متكرر عن "حقّ الدفاع" رغم وقف إطلاق النار. 

حزب الله يتحضّر

على الضفة الأخرى، يؤكد المصدر العسكري أن حزب الله استعاد جزءا معتبرا من شبكة الإمداد سواء عبر سوريا أو بطرق أخرى، مع تشتيت التخزين وتدوير المستودعات إلى وحدات أصغر، بالتوازي مع تصنيعٍ محلّي لعناصر المنظومات الدقيقة. وتلفت في هذا السياق إلى الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مرفقات تصنيع وتجميع عسكرية في منطقة جنطا وتواتر استهدافها بعد الهدنة. 

لكن الأهم من ذلك، وفقا للمصدر، أن حزب الله عاد إلى اعتماد نمط أو هيكلية جديدة لمقاتليه، تقوم على الخلايا الأكثر تشتتا ومرونة، وهي العقيدة التي اعتمدها التنظيم في الثمانينيات، خلال "حرب العصابات المنضبطة"، مع تعزيز الاعتماد على المُسيّرات الصغيرة والذخائر الجوّالة والوحدات المضادة للدروع، بهدف توسيع بنك الأهداف داخل العمق الإسرائيلي عبر الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى. وتتطابق هذه الصورة مع طبيعة الضربات الإسرائيلية الوقائية ضد الأصول الدقيقة. 

ويلفت إلى أن الحزب يواظب على تنفيذ تدريبٍ مستمر على تكتيكات "الاحتكاك المنضبط" وإدارة النيران تحت عتبة الحرب الشاملة، مع إبقاء قدرات الردّع الاستعراضي (رشقات محدودة/طائرات مسيّرة استطلاعية/مفخخة) كأداة ضغط تفاوضي ورفع كلفة الانتهاكات. حيث تُظهر ضربات ما بعد الهدنة أن ميزان "الردع بالمخاطرة" ما زال قائما.   

حتميّة لا احتمال.. لماذا؟

يوافق الباحث السياسي مازن بلال في تعليق لـ "إرم نيوز" على أن الحرب بين حزب الله وإسرائيل "واقعة لا محالة". ويبني قراءته على أن النافذة الزمنية تضيق، فكل شهر إضافي يسمح للحزب بإكمال مخزوناته، يمنح إسرائيل سببا أقوى للذهاب إلى ضربة مُسبقة. 

ويشير من جهة أخرى إلى أن بيئة القرار المسيّسة في تل أبيب لا تتحمّل بقاء عشرات آلاف النازحين شمالًا بلا حلّ ردعي حاسم.

يضاف إليها، وفقا لبلال، تعقيدات تجريد الحزب من سلاحه داخل لبنان، بمعنى أن عمليات نزع سلاح حزب الله حققت تقدّما موضعيّا في الجنوب، مقابل جمود واضح في مناطق نفوذ الحزب في الضاحية والبقاع، ما يبقي الذريعة العسكرية حيّة. 

كيف ستبدأ الجولة المقبلة؟

يقدم المصدر العسكري اللبناني سيناريو يصفه بأنه "الأكثر توقعا لمجريات الحرب المقبلة"، والتي ستبدأ عبر سلسلة ضربات تمهيدية إسرائيلية على عُقد القيادة والاتصالات ومفاصل تصنيع وتجميع الأسلحة الدقيقة (البقاع والجنوب وبعلبك وأطراف ضاحية بيروت) مع تعطيل واسع للطيف الكهرومغناطيسي وشبكات الطاقة. 

ويبيّن أن هدف الساعات الأولى هو كسر "زمن إطلاق الصليات" وقطع الذراع الجوية المُسيّرة. 

أما عن ردّ حزب الله، فيشير إلى أنه سيكون متدرّجا عبر رشقاتٍ مركّزة إلى العمق (غوش دان، منشآت طاقة، مرافئ، وقواعد جوية) مع دمج مُسيّرات انتحارية وكمائن مضادّة للدروع على حافة الحدود لإبطاء أي توغّل. ويرى المصدر أن هذا النمط متوقع بالنظر إلى ترسانة الدقة والقدرة على الاستنزاف الطبقي. 

ويوضح المصدر العسكري أن إسرائيل ستركز خلال الحرب على اصطياد الأسلحة الأكثر دقة لدى حزب الله، وستعطي الأولوية لتدمير منصّات وورش التصنيع والذخائر الجوّالة ومراكز قيادة الظل (تجربة ضرب منشآت جنطا مثال لما سيتكرر على نطاق أوسع). 

وبينما تقوم بذلك، ستحرص إسرائيل على حماية الجبهة الداخلية، دفاع جوّي/صاروخي متعدد الطبقات و"عناقيد اعتراض" ضد الرشقات الكثيفة، مع إدارة إخلاءات طويلة للشمال وتقليص الشلل الاقتصادي عبر خطط طوارئ دُرّبت عليها مؤخرا. 

كما سيقوم الجيش الإسرائيلي، وفقا للمصدر، بمناورة محدودة في عمق انتقائي، وهي عبارة عن توغّلات ليلية خاطفة داخل العمق التكتيكي جنوب لبنان لتدمير عقد إطلاق ومخازن متنقلة، مع سياسة "ضربة ثم انسحاب" لتجنّب الاستنزاف البري الطويل.

أما حزب الله، فسيعمد إلى تحدّي العمق الإسرائيلي عبر صواريخ دقيقة متفاوتة المدى لضرب عقد القيادة والاقتصاد (طاقة، مرافئ، مطارات)، وتحقيق "صورة نصر" مبكرة تقلّص قابلية تل أبيب للاستمرار. 

ويقول المصدر إن تفكيك الإسناد الجوي، سيكون أحد أهداف الحزب، عبر مُسيّرات وكمائن مضادّة للدروع لإرخاء قبضـة المناورة البرية الإسرائيلية، مع استخدام تشويش واتصالات بديلة للحفاظ على استمرارية النيران. 

أما المصدر السياسي، فيلفت إلى أن حزب الله سيهتم بإدارة المخاطر السياسية، عبر إبقاء "مفتاح التصعيد" بيده من خلال وتيرة نيران قابلة للرفع والخفض، وربط المسار اللبناني بمخرجات الإقليم.

وتخلص المصادر العسكرية والسياسية إلى أن المشهد الحالي يحمل كل خصائص "الانزلاق الحتمي"، بدءا بالاستعدادات العملياتية العلنية شمال إسرائيل، مرورا بالتعافي التسليحي لدى حزب الله.

وتختم بالقول: الهدنة الحالية تُستخدم كمنصّة صيانة لا كجسر تسوية. وبالتالي بات سؤال الحرب "متى وكيف؟" لا "هل تقع؟".