رواج المطاعم في لبنان: تعافٍ اقتصادي أم وهم مزدهر؟

تعجّ المطاعم والمقاهي في لبنان بالروّاد، وكأن البلاد تعيش انتعاشاً اقتصادياً، غير أن هذا الازدحام ليس بالضرورة مؤشراً على تعافٍ حقيقي، بل قد يكون غطاءً لواقع اقتصادي هشّ، تموّله فئات محدودة من اللبنانيين، وتحرّكه أموال المغتربين والسياح، ورؤوس أموال تبحث عن تصريف سريع.

في حديث لـ "نداء الوطن" يقول الخبير الاقتصادي باتريك مارديني: "يُعدّ القطاع السياحي، وبشكل خاص قطاع المطاعم والمقاهي، من الأعمدة الأساسية للنشاط الاقتصادي في لبنان. ورغم الانهيار الاقتصادي الذي قلّص الناتج المحلي من 54 مليار دولار قبل الأزمة إلى أقل من 20 ملياراً، لا يزال هذا القطاع من بين الأكثر حيوية، بفضل المغتربين الذين يزورون لبنان ويضخّون العملات الصعبة فيه".

ويضيف مارديني: "تشير التقديرات إلى أن تحويلات المغتربين السنوية تبلغ نحو 6 مليارات دولار، وهي بمثابة نظام حماية اجتماعية بديل، في ظل غياب شبكة رسمية فاعلة للدولة اللبنانية. هذه التحويلات تُعدّ دعماً مباشراً وفعّالاً، إذ تصل إلى مستحقّيها من دون هدر إداري، خلافاً للأنظمة التقليدية التي تتطلب دراسات ميدانية وتكاليف تشغيلية، ما يؤدي إلى ضياع جزء من الموارد قبل أن تصل إلى المحتاجين الفعليين".

وفي ما يخص الإنفاق المرتفع، خصوصاً في قطاع المطاعم، يقول مارديني: "لا يُعَدّ مؤشراً صحياً، فالمؤشرات الحقيقية للتعافي تُقاس بالنمو الاقتصادي، معدلات البطالة، ونسب التضخم. في الواقع، لا يزال لبنان يعاني من ركود اقتصادي مستمر، حيث يسجّل نموّاً سلبيّاً منذ بداية الأزمة. ورغم الآمال التي بُنيت على العام 2024، جاءت الحرب في الجنوب لتعيد المشهد إلى الوراء، ما أضعف أي زخم اقتصادي ناشئ. وفي انتظار استعادة الثقة الدولية بالعهد الجديد، يبقى التعافي الحقيقي مؤجلاً".

صحيح أن الأزمة أدّت إلى تراجع القدرة الشرائية عند شرائح واسعة، إلا أن قلةً، بحسب مارديني، "لا تزال تملك القدرة على الإنفاق. وهي الطبقة التي تحرّك ما تبقّى من قطاع الضيافة، خاصة في المدن الكبرى والمناطق السياحية. لكن عدد المطاعم تقلّص بشكل ملحوظ، وشهد القطاع إعادة هيكلة واسعة، أدّت إلى إقفال عدد كبير من المؤسسات، وظهور أخرى أكثر تكيّفاً مع السوق الجديد".

يضيف مارديني: "نحن نشهد طفرة موقتة في هذا القطاع، مع افتتاح مطاعم جديدة تستهدف المغتربين والسياح، أو المقيمين من ذوي الدخل المرتفع. وغالباً ما تعتمد هذه المطاعم على أرباح الصيف والأعياد لتغطية نفقاتها طوال العام".

إذاً، اكتظاظ المطاعم ليس مرآة لتعافٍ اقتصادي، بل انعكاس لنموذج اقتصادي غير متوازن، يُغذّيه الإنفاق الموسمي، والتحويلات الخارجية، وأموال تتركز في أيدي القلة.