روحيّة باريس حاضرة لبنانيّاً: التنسيق مع واشنطن في ذروته

فرنسا التي رعت بين أحضانها قيام لبنان ومراحله التاريخية، متيقّنة من الخصال اللبنانية وشاخصة نحو أوضاع بيروت من داخل روحيّة التطوّرات الحالية. ويتّضح أنّ قوّة اكتراثها بالمسألة اللبنانية لم تتراجع بل تتكامل مع تدابير الولايات المتحدة الأميركية. وبحسب معطيات ديبلوماسية فرنسية لـ"النهار"، إنّ التنسيق في ذروته على مستوى الملفات اللبنانية بين الحليفتين باريس وواشنطن وسط انسجام وتآزر سياسيّين في الأهداف الكبرى رغم تنوّع الأساليب. لم تغب ديبلوماسية الإليزيه عن مشاورات الغرف المغلقة طيلة الأسابيع الماضية، رغم أنّ نشاط المنابر السياسية كان في غالبيته للمبعوثين الأميركيين الذين زاروا بيروت. وكذلك، لا تزال هناك مشاركة يومية لخبراء فرنسيين يسهمون مع لبنانيين في تطوير مشاريع إدارية وصحية وعسكرية وقضائية من دون إغفال تحضير فرنسا مؤتمر مساعدة الجيش اللبناني وآخر لإعادة تكوين الدولة اللبنانية. وتحدو الأجواء الديبلوماسية إلى تأكيد التجذّر الفرنسي في لبنان والنشاط المتعدّد الأهداف للسفير الفرنسيّ هيرفيه ماغرو، بما يعني انتفاء أيّ خوف أو خشية من انحسار الحضور الفرنسيّ في لبنان أو اضمحلاله.

 

وإذ توطّد باريس أواصر حضورها لبنانياً على صعد لا تنحصر في السياسة، تعود كذلك إلى الواجهة الديبلوماسية مع تحضيرات لبنانية لاستقبال المبعوث الفرنسيّ جان إيف لودريان، الذي ستشكّل زيارته المقرّرة استكمالاً لدوره المساعد في إنهاء دوّامة المراوحة في الملفات. وبعدما كانت مهمّته مرتكزة قبل أشهر على إنجاح استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، إن ما يهدف لودريان إليه في هذه الفترة، يمكن تلخيصه بحسب معطيات لـ"النهار" في متابعة حصر السلاح وتنفيذ الإصلاحات ومناقشة الملفات الآنية ذات الأولوية في أهميتها. وتنوي فرنسا المساعدة في إعادة ترسيخ مكانة لبنان الخارجية على الخريطة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأدنى وترتيب كرسيّ سياسيّ يتمثّل به لبنان على طاولة المشاورات الإقليمية على أن يكون جزءاً منها.

هكذا تتجلى ديبلوماسية باريس في التشاور مع واشنطن حول الملفات اللبنانية وتأكيد طلب تنفيذ الإصلاحات والحضّ دولياً على مساعدة لبنان وتقديم الخدمات التي يحتاج إليها. لكن، الديبلوماسية الفرنسية تتلقف محاولة تنغيصيّة تأثيريّة من البعض لبنانيّاً على الإدارة الأميركية للتغاضي عن الإصلاحات اللبنانية المطلوبة والاكتفاء بحصر السلاح. ورغم تقليل باريس من قدرة مثل هذه الفئة اللبنانية على المراوغة أو الضغط إنهاءً للأجندة الإصلاحيّة، ترتّب محاولة كهذه قليلاً من القلق الفرنسيّ لكنها تجذّر الإبقاء فرنسيّاً على أولوية حماية المبادئ الإصلاحيّة التي طلبها المجتمع الدوليّ، باعتبار فرنسا أنّ النموذج الناجع لإعادة إنعاش لبنان المتطلّب حصر السلاح، يشترط الإصلاحات أيضاً على مستوى الدولة اللبنانية بما فيها الإدارية والاقتصادية التي لا يمكن التغاضي عن تنفيذها والمعتبرة مطلباً لبنانياً من دعاة الإصلاح اللبنانيين الكثر بادئ ذي بدء قبل أن تشكّل مطلباً دوليّاً، على أن يقرّر لبنان كيفية تنفيذ إصلاحاته بحسب تطلعاته واحتياجاته وأنماطه البحتة التي سيتابعها المجتمع الدولي.

وتشجب الديبلوماسية الفرنسية ما تحاوله بعض القوى السياسية والمصرفية في لبنان دحراً لتوقيع أيّ اتفاقٍ مع صندوق النقد الدوليّ والقول إنّه ليست هناك حاجة للاتفاق مع صندوق النقد وما بقي من إصلاحات إن حصر السلاح. وتوطّد باريس أولوية تنفيذ لبنان الإصلاحات على تنوّعها والعودة إلى الانتظام الوطنيّ اللبنانيّ وبدء التفكير في الالتحاق بالتطوّر العالمي بعد إنهاء الفجوات، فيما تتمثل مصلحة لبنان الكبرى في أن يكون وطناً متعافياً قويّ البنية السياسية والقدرة على نشر نموذج الديموقراطية.