المصدر: المدن
الكاتب: جمال محيش
الأربعاء 12 تشرين الثاني 2025 13:24:47
في حديث خاص إلى "المدن"، تناول النائب أشرف ريفي سلسلة من القضايا الداخلية والإقليمية، من احتمالات الحرب والمفاوضات، إلى الانتخابات النيابية المقبلة، وعلاقته بتيار المستقبل، مرورًا بملفّ الموقوفين الإسلاميين، وأحداث عبرا، وصولًا إلى كواليس عملية تهريب العميد مناف طلاس من سوريا، وهنا نصّ الحوار الكامل:
- لبنان بين رسائل سياسية تشترط المفاوضات المباشرة وصولاً إلى التطبيع... ورسائل نارية تصعيدية إسرائيلية، كيف للدولة أن تثبت حضورها السيادي والوطني؟
لا شكّ في أن هناك مشروعًا بدأ يُنفَّذ في المنطقة على مرحلتين: الأولى كانت ما يُسمّى “الفوضى الخلّاقة”، وكان أداتها، بكل أسف، الإيراني الذي ارتضى لنفسه هذا الدور القذر. أمّا المرحلة الثانية فهي “الشرق الأوسط الجديد”، القائم على انفتاح الدول على بعضها البعض. اليوم، يشعر العرب، وخصوصًا السنّة، أنّ الخطر الإيراني بات أكبر من الخطر الإسرائيلي، والطبيعة البشرية تميل إلى قبول الخطر الأصغر لتتجنّب الأكبر.
لقد استدرك العرب هذا الأمر منذ قمّة بيروت في العام 2002 عبر “مبادرة السلام العربية”، التي شكّلت غطاءً عربيًا شاملًا لأي مسار تفاوضي. أمّا لبنان، فلا يمكنه تحمّل أعباء هذه المرحلة وحده، بل يحتاج إلى مظلة الحراك العربي الواسع.
- بين طلب رئيس الجمهورية من الجيش التصدي لأي توغل اسرائيلي وبيان حزب الله الأخير، هل ثمة تناغم؟
كلا، هناك تناقض واضح. حزب الله يتلقى أوامره من إيران، وأخشى أن يكون الإيراني يسعى لتحسين شروطه حتى آخر عنصر من حزب الله، من دون أن يراعي ما إذا كان وضع الحزب يسمح بالمواجهة أصلًا.
بعقل عسكري موضوعي، أقول إنّ الحزب فقد قدرته العسكرية، والأخطر أنّه فقد قيادته التاريخية التي كانت تملك الجرأة على مصارحة جمهورها. القائد غير التاريخي لا يجرؤ على مكاشفة جمهوره، خصوصًا المتشددين منهم، ولذلك سيكون الثمن أكبر على بيئته وعلى لبنان عمومًا.
أما بالنسبة إلى الموقف الرسمي، فلا أرى أيّ تكامل بين الخطابَين، بل هناك تناقض تامّ. رئيس الجمهورية يقول للجيش “قم بواجباتك”، ولكن واقعيًا، ما هي إمكانيات الجيش؟ قوة لبنان لا تكمن بعسكره ولا بضعفه، بل بشرعيته العربية وعلاقاته الدولية.
هل نحن اقرب اليوم الى المفاوضات ام الى التصعيد العسكري؟
نحن متجهون إلى المفاوضات، ولكن قبل الوصول إليها، سنمرّ حتمًا بمرحلة من التصعيد العسكري. قراءتي تشير إلى وجود قرار دولي بإنهاء كل البنى العسكرية التابعة لأذرع إيران في لبنان وسوريا واليمن والعراق.
وأحيّي الشعب السوري الذي تخلّص من هذه البنية العسكرية، فكانت ضربة قاصمة للمشروع الإيراني. لقد تآكل حزب الله في لبنان، كما تآكل الحوثي في اليمن، والحشد الشعبي في العراق. هذا مشروع دولي لا تحكمه العواطف ولا القيم الأخلاقية، بل المصالح البحتة. لذلك أرى أننا مقبلون على الحلقة الأخيرة من المواجهة، تليها المفاوضات.
يكثر الحديث عن إمكان خوضكم الانتخابات المقبلة ضمن لائحة واحدة مع النائب فيصل كرامي، هل هذا الأمر مطروح فعلاً؟
أبدًا، فالقانون الانتخابي لا يسمح بذلك، ولكلّ منا لائحته وجمهوره. جمهوري لا يسير مع فيصل كرامي. علاقتي الشخصية معه جيدة، لكن لا تحالف سياسي أو انتخابي بيننا. حليفي الاستراتيجي المسيحي هو “القوات اللبنانية”، بينما فيصل كرامي لا يلتقي معهم في الخطّ السياسي.
إطلالة اللواء ريفي السياسية كانت لصيقة جداً بسعد الحريري وتيار المستقبل أين هي اليوم؟
هي مع جمهور رفيق الحريري. انطلقتُ سياسيًا مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وكانت علاقتنا مميزة جدًا. أذكر أن الراحل أبو طارق العرب قال له بعد ترقيتي إلى رتبة عميد: “ما باركت للعميد أشرف ريفي”، فأجابه الحريري: “هذا ليس العميد أشرف، هذا أشرف عميد”.
بعد اغتيال الحريري، بدأنا المسيرة مع الرئيس سعد الحريري بمودّة ومحبة، لكن حين لمسنا خروجًا عن ثوابت رفيق الحريري، وقع التباعد. أعتبر نفسي من “الحالة الحريرية”، لكن حالة رفيق الحريري، لا سعد الحريري.
لقد سلك سعد مسارًا لم أستطع التماهي معه. نحن كعسكريين نُدرّب على الصراحة والوضوح لا على المجاملة. وكان ملفّ ميشال سماحة وملفّ ميشال عون “عالقين في حلقي”، لأنهما شكّلا خرقًا جوهريًا لثوابتنا الوطنية. ومن هنا بدأ الانفصال السياسي بيننا.
هل كان تغيّبكم عن الجلسة النيابية الأخيرة سببه الاعتراض على صيغة اقتراع المغتربين ام على طريقة ادارة الجلسات؟
الاعتراض كان على الأمرين معًا. مع احترامي للرئيس نبيه بري، لكن ما هكذا تُدار الجلسات. هو ليس رئيسنا بمعنى التبعية، بل زميل ونائب، وصوتي يساوي صوته. إدارة الجلسات تخضع لأصول دستورية لا لمزاج رئيس المجلس.
أما في ما يخص المغتربين، فهم إنقاذ هذا البلد، وهم “إطفائيّته”. لا يمكن أن أقول للمغترب: “ضيّع صوتك على نائب لأفريقيا أو لأوروبا”، هذا غير منطقي.
ينبغي أن يبقى المغترب مرتبطًا ببيئته الأصلية، لأن مصلحته ومصلحة وطنه الاستراتيجية في هذا الترابط. لذلك قاطعنا الجلسة اعتراضًا على ادارة الجلسات من جهة، وعلى هذه الناحية من قانون الانتخاب من جهة أخرى.
ملفّ الموقوفين الإسلاميين ما زال عالقًا منذ سنوات رغم الوعود المتكرّرة بمعالجته، اين تكمن المشكلة تحديداً؟
المشكلة في الهيمنة الإيرانية وضعف الموقف السني. قلتها سابقًا: لو كنّا أقوياء لما أوقفوا هنيبعل القذافي ولا العميد حمود يومًا واحدًا. كلا الملفين فارغان.
القذافي كان طفلًا حين اختفى الإمام موسى الصدر، وملفّ العميد حمود مجرد جنحة لا تستدعي التوقيف. لكنّ الهيمنة الإيرانية سمحت بهذه التجاوزات.
اليوم الدولاب يدور. رأينا تحرّكًا في ملفّ هنيبعل القذافي، وإخلاء سبيل العميد حمود، ونأمل أن تنعكس هذه المتغيّرات على ملفّ الموقوفين الإسلاميين الذين حُوكم بعضهم ظلمًا وافتراءً.
في ملفّ أحداث عبرا، قلتم إن حزب الله هو من يتحمّل مسؤولية ما جرى لا الشيخ أحمد الأسير. على أي معطيات تبنون هذا الموقف؟
نملك معطيات موضوعية، ونحن نحضّر مؤتمرًا صحافيًا مع فريق الشيخ أحمد الأسير لعرض كل الأدلة. ما جرى كان كمينًا نُصب من قبل حزب الله. نعلم من طوّق صيدا، ومن انتشر في شوارعها، ومن نصب المدفعية واستأجر الشقق في محيط مركز الأسير في عبرا، ومن أطلق النار أولاً على الجيش.
لقد التقيت المقربين من الأسير، وهم يعتبرون شهداء الجيش شهداءهم، ويقولون لأهاليهم: “لا تضيّعوا البوصلة، فالقاتل الحقيقي يجب أن يُحاكم”.
المحكمة العسكرية للأسف كانت أداة بيد حزب الله، تحولت إلى دكانة سياسية. نحن نحضّر ملفات لمحاسبة قضاتها، واحدًا تلو الآخر.
أنا فخور بانتمائي الوطني الجامع: شراكة مع المسيحيين، ومع الشيعة العرب، والدروز، والعلويين. كفانا تصنيفات. عندما قال أحد نواب حزب الله إن احدى المخاطر القادمة هي انتشار التكفيريين قلت "يا دولة الرئيس خلّيه يقول لنا علي فياض مين بيقصد بالتكفيريين؟" إن كان لا يزال على معادلة أن “السنّة تكفيريون، والمسيحيون عملاء، والشيعة الأحرار عملاء سفارات”، فهو عميل لإيران ونحن وطنيون أكثر منه.
فضل شاكر مظلوم، وأحمد الأسير مظلوم، وشبابنا مظلومون، والقاتل الحقيقي في عبرا وعرب خلدة هو حزب الله.
أنتم من أكثر من تابع كواليس الملف السوري عن قرب… كيف جرت قصة هروب العميد مناف طلاس من دمشق؟
تواصلت معنا المخابرات الفرنسية وقالت إنها قادرة على إخراجه من سوريا، لكنها في حاجة إلى مساعدة من الجانب اللبناني. وافقنا، واتفقنا على ساعة محددة. تسلمناه من الحدود اللبنانية ـ السورية في البقاع الشمالي، ونقلناه إلى شمال لبنان حيث بقي ليلتين في منازل آمنة.
ثم جاءت مروحية فرنسية صغيرة، بصوت خافت، نقلته ليلًا من وادٍ بين بشري والكورة إلى بارجة فرنسية في عرض البحر، ومنها إلى فرنسا.
بعد نحو شهر التقيت به على العشاء مع والده، وكان يتمّ التحضير لترشيحه لرئاسة الجمهورية السورية، لكن الظروف تغيّرت. العملية نُفّذت بمهنية واحتراف عاليين بيننا وبين المخابرات الفرنسية.