ريماس وتالين وليان شور... تفاصيل استهدافهن كما يرويها الخال المفجوع

كان لريماس (14 عاماً) وتالين (12 عاماً) وليان شور (10 سنوات) أحلامهن، التي كن يطمحن لتحقيقها، وقد كبرن وهن يرسمنها على صفحات بيضاء إلى أن أحرقها العدو الغادر، حين قصفهن وهنّ ينتقلن بين بيوت الأهل في بليدا وعيناثا، في جنوب لبنان.
 
أحرق الجيش الإسرائيلي صفحاتهنّ، بل أحرق الدفتر الذي كان يضمّ رسوماتهنّ، وآخرها كانت لأطفال غزة. ما كن يعرفن الكثير قبل عملية طوفان الأقصى، لكن جرائم إسرائيل دفعتهن إلى الاطلاع على بعض التفاصيل، فقرّرن أن يرسمن لأطفال غزّة كتعبير تضامنيّ يُحاكي طفولتهن.
 
أسكتت إسرائيل ضحكاتهن التي كانت تعلو في الأرجاء قبل ساعات قرب منزلهن في بلدة "بليدا"، إذ رأت في صمودهن وبراءتهن تهديداً إرهابياً وفق ما تدّعي، فاستهدفت سيّارة والدتهن التي كانت تقودها، وهي سيّارة مدنيّة كانت تعبر وسط الطريق، وما كانت لتشكّل هدفاً عسكرياً بأي حال من الأحوال؛ إلا أن لإسرائيل حساباتها وإجرامها الذي يفوق التصوّر.
 
التهمت النيران أجسادهن الصغيرة، من دون أن يشفع لهنّ وجود سيّارة أخرى كان يقودها خال الأم. كان الإجرام واضحاً ومتعمّداً، وكانت أصواتهن واستغاثاتهن آخر ما سمعه الصحافي وخال الوالدة سمير أيوب في تلك الرحلة المشؤومة.
 
ريماس وتالين وليان شور، سنحفظ أسماءكنّ ووجوهكنّ البريئة، ولن نقبل أن تصبحن أرقاماً كما تريد اسرائيل؛ فأنتن الدليل الملموس على الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الأطفال والمدنيين في غزة ولبنان في ظلّ غياب وتواطؤ دوليّ مريب.
 
لطالما أرادت والدتهن هدى حجازي حمايتهن من كلّ شيء، وكانت تسعى كما يروي خالها سمير أيوب لـ"النهار" أن "تُبقي أولادها معها أينما ذهبت. كانت تقول لي إذا صرلنا شي هيك منموت كلنا سوا. ولأول مرّة قرّرت أن تُبقي أولادها معها في السيارة وألا ترسلهن معي، وكأنّها كانت متوجّسة من أمر ما، وكان قلبها دليلها".
 
لم تكن والدتهن هدى تريد سوى إحضار كتبهن من المدرسة، وأغراضهن من المنزل في بليدا، قبل العودة إلى بيروت. القصف المستمرّ بين الحين والآخر على بعض بلدات الجنوب أدّى إلى تعليق الدروس في المدارس هناك، فكان القرار باستكمال تعليمهن في إحدى المدارس في بيروت. وصلن إلى البلدة، وكانت الفتيات الثلاث يلعبن بجوار السيارة. ووفق ما يؤكد سمير أيوب: "قلتُ لهن اِلعبن في الخارج قرب السيّارة حتى تعرف إسرائيل أنكن أطفال ومدنيّون فلا تقصف. كنّا حذرين بكل التفاصيل، ولم نكن نتوقّع أن تصرّ إسرائيل على استهداف سيّارتهن بشكل متعمّد وصريح".
في طريق العودة إلى بيروت، كنّا نسير خلف بعضنا، وبينما كنّا في منطقة مفتوحة، وفق ما يوضح أيوب "حتى شعرتُ بضغط قويّ. نظرتُ إلى الخلف فلم أجد السيارة التي تقودها هدى. وبعد لحظات كان السواد قد غطى كلّ شيء في الخلف. استهدفت إسرائيل السيارة بصاروخ سقط في وسطها، وكانت الضربة الكبرى من حصة الفتيات والجدّة، في حين أن ضغط الصاروخ أدّى إلى فتح باب سيّارة هدى ورميها إلى الخارج، وبقيت قدماها عالقتين بالسيارة".
 
بدموعه التي تخذله بين الحين والآخر، يستذكر تلك اللحظات المروّعة، وكأن أصواتهن ما زالت تستغيث. "أصعب ما أتذكّره هو صراخهن لنجدتهن، كنتُ عاجزاً عن الاقتراب من السيارة، وتوجّهتُ مسرعاً لمساعدة هدى التي كانت تصرخ قائلة "دخيلك يا خالي شيل ولادي"".
 
احترق كلّ شيء حتى رسوماتهن وكتبهن التي كانت بحوزتهن. احترقت أحلامهن وكلماتهن. احترقت أجسادهن التي كانت شاهدة على جرائم إسرائيل بحق أطفال غزة قبل أن تنالهن وحشيّتها أيضاً. سرقت إسرائيل حلمهن في الحياة، وقرّرت أن تنهي حياة 3 شقيقات مع جدّتهن بمجرد أنّها اشتبهت وفق ما تزعم بـ"إرهابيين".
تخون الكلمات سمير، إذ لم يعد قادراً على الحديث أكثر. المشاهد المروّعة تقتحم اللحظة فيتوقف عن الحديث معتذراً.
 
لا تختلف الحال مع جدّ الفتيات، عدنان شور، الذي شهد على جريمة مروّعة بحق حفيداته وجدّتهن؛ وبكلمات متعبة يقول لـ"النهار" إن "ما جرى لا يمكن لعقل أن يتصوّره. أردن فقط الحصول على كتبهن المدرسيّة والعودة إلى بيروت، إلا أن الإجرام كان أقوى من طفولتهن".
 
يبكي بحرقة. "اتّصل ابني ليقول لي "ماتوا ولادي"، ما ذنبهنّ؟ نحن أناس نعمل ونتعب ونحصد من عرق جبيننا. لا نتبع أحداً. نريد لهن أحلاماً جميلة، ولم يبقَ منها شيء اليوم. كلّنا ضحايا، وأنا أنتظر ابني ليعود من سفره. خسارته كبيرة، ووجعنا لا يُحتمل".
 
وبينما يلملم والدهما المسافر جراحه النازفة ليدفن بناته، ترقد والدتهن هدى في العناية الفائقة. وضعها الصحي مستقرّ، وتحارب أوجاعها النفسية والجسدية؛ فما رأته صعب جدّاً، ولا يُمكن لعقل أن يتحمّله.