ريمي بندلي: أتمنّى لو نتوقّف يوماً عن غناء "أعطونا الطفولة"

مرّ أربعون عاماً على ميلاد أغنية "أعطونا الطفولة" التي صدحت بها ريمي بندلي، الطفلة الصغيرة ذات الصوت الذي هزّ وجدان لبنان يوم أدّتها أمام الرئيس السابق أمين الجميل في القصر الجمهوري. في تلك اللحظة، كان الأمل معقوداً على أن تُوقظ تلك الصرخة ضمائر العالم، وأن تلمس قلوب البشر، في وجه الكابوس الذي خيّم على البلاد، عسى أن تُساهم في إيقاف عجلة الحرب القاسية التي لا ترحم. ومنذ ذلك اليوم، أصبحت هذه الأغنية رمزاً، يردّدها الأطفال والكبار، لكنها تظل صرخة في وجه جدار الصمت، والأرض لا تزال محروقة، والدمار لا يتوقف.
 
الواقع الأليم
اليوم، مع تجدّد مشهد الحرب في لبنان، تقف ريمي بندلي، بعيداً عن وطنها، تخنقها غصّة يفرضها الواقع الأليم. تشاهد الأحداث من بعيد، لكن قلبها ينبض مع أهلها في لبنان. تصف هذا الشعور لـ"النهار" بالقول: "قاسٍ هو أن أعيش هذه اللحظات، ووالدتي وعائلتي وأصدقائي هناك، وسط تلك الأوضاع المخيفة". لقد جعلت من هاتفها نافذة تراقب من خلالها أخبار الوطن، فتعيش في قلق دائم، تنتظر الإشعارات والمكالمات التي تحمل نبض لبنان، وتردّد في كل اتصال: "ماما أين أنتِ؟ طمنوني".
 
تعلم بندلي أن حجم المعاناة التي يعيشها إخوتها في الوطن يفوق ما تشعر به وهي بعيدة، لكنها تؤكد: "التعب النفسي لا يوصف، والخوف يسيطر علينا جميعاً. نعيش في انتظار المجهول، نترقب الكارثة التالية. لقد سئمنا، نريد حلاً، كفى".
 
أرضي محروقة
نتحدث مع ريمي عن سر استمرار أغنيتها "أعطونا الطفولة" في الحياة حتى اليوم، فتجيب بصوت يختلط فيه الحنين بالوجع: "في تلك الأيام، كانت أرضنا محترقة ولبنان يتلقى الضربات بلا رحمة. لم نعرف يوماً طعم الراحة. هذا الواقع يقتل الطموح ويغتال الحلم. أنا أشتاق لليوم الذي أستيقظ فيه وأجد نفسي في لبنان، أفرح من دون أن أكون مرهونة لمكالمة من أمي تسألني: هل أنت بخير؟ أين أنتِ؟".
 
ورغم كل هذا، ترفض بندلي الهروب من الواقع، وتتمسك بخيط رفيع من الأمل. لكنّها لا تخفي الألم الذي يرافقها، إذ تقول: "إذا كنتم تظنون أن المغتربين سعداء، فأنتم مخطئون! فمهما حققنا من إنجازات في الغربة، يبقى القلب معلقاً هناك، نتوق للجلوس مع أهلنا وأحبائنا".
وفي كل مرة تحل كارثة على لبنان، تعود كلمات أغنيتها "يا عالم... أرضي محروقة" لتتصاعد في سماء الحزن. وفي كل مرة، نحمد الله على أننا ما زلنا على قيد الحياة. نسأل ريمي، بعد مرور أربعين عاماً: "ماذا تعني لكِ هذه الأغنية اليوم؟". فتجيب بعاطفة جياشة: "كانت البداية، بداية مسيرتي الفنية وبداية حبي لوطني. كنت طفلة في الرابعة من عمري، وربما يظن البعض أنني لم أكن أدرك معنى الكلمات، لكنني كنت أعيش كل كلمة، وكل مرة أغنيها الآن، يعتصر قلبي ألماً على وطني وكل الشعوب التي تعاني."
 
تؤكد بندلي أن هذه الأغنية يجب أن تستمر: "كانت مصدر أمل بأن صوتنا سيُسمع. لا أعلم كم عدد الأطفال الذين سيواصلون غناءها، لكن مع استمرار الإجرام وغياب العدالة، أتمنى أحياناً ألا أضطر لغنائها مجدداً. ففي النهاية، الجميع يخسر في الحرب. أصلّي دائماً لأن يُسمع صوت هذه الأغنية مرة أخرى، عسى أن يأتي اليوم الذي يشعر فيه أحدهم بمعاناتنا، فنحن نعيش في رعب لا ينتهي".