المصدر: المدن
الكاتب: منير الربيع
الثلاثاء 21 تشرين الأول 2025 10:15:36
نقل كلام الموفد الأميركي توم باراك مسار تعاطي الولايات المتحدة الأميركية مع لبنان إلى مرحلة جديدة، تتسم بالكثير من الوضوح والرسائل المباشرة. كشف باراك كل ما كان يضمره وما كان المسؤولون اللبنانيون يحاولون مقاربته بشكل مباشر. يمكن تلخيص موقف باراك بثلاث نقاط: أولاً، ضرورة اسراع لبنان في سبيل سحب سلاح حزب الله والتعاطي بجدية مع هذا الملف. ثانياً، الذهاب إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل لمعالجة كل النقاط العالقة وإنهاء حال الحرب وإبرام اتفاق لوقف العمليات الحربية أو العدائية. ثالثاً، في حال عدم تجاوب لبنان سريعاً مع هذه الشروط، فإن إسرائيل قد تقدم على تنفيذ عملية عسكرية ضد حزب الله، أو أن لبنان سيُترك لمصيره في مواجهة الإهمال والترهل والانهيار في ظل عدم اهتمام أي من الدول الخارجية به.
خماسية الضباط هي المفضلة
يأتي كلام باراك كقوة دفع وتحفيز للدولة اللبنانية نحو القبول بتقديم تنازلات جدية وتشكيل وفد للتفاوض المباشر مع إسرائيل. ولطالما رفض لبنان رفع مستوى التفاوض وتحويله إلى تفاوض على مستوى سياسي وديبلوماسي. وهو يفضل أن يبقى في الإطار التقني والعسكري، ومن ضمن اللجنة الخماسية التي تشرف على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، ويشارك فيها الإسرائيليون عبر ضابط. كما أن لبنان يتمثل بضابط، في حضور الضابطين الأميركي والفرنسي وضابط من اليونيفيل.
وزير لبناني يفاوض ديرمر
ليست قصة الدعوة إلى التفاوض المباشر بالأمر الجديد، بل طرحت كثيراً في السابق. وقبل أشهر، تبلغ لبنان رسائل رسمية على لسان مسؤولين دوليين وأمميين بوجوب تعيين شخصية سياسية لعقد مفاوضات مباشرة مع شخصية سياسية إسرائيلية. وقيل حينذاك إن رئيس الوزراء الإسرائيلي يختار وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر لخوض هذه المفاوضات، ما يعني أن إسرائيل تريد وزيراً لبنانياً للمهمة. وقد رفض لبنان ذلك، وطالب بالتفاوض المكوكي الذي تقوم به الولايات المتحدة. وعندما اشتدت الضغوط، عاد لبنان وطرح فكرة التفاوض المشابه للآلية التي اعتمدت في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية.
عون "خذل" الضاغطين في نيويورك
ارتفع منسوب الضغوط الدولية والعسكرية الإسرائيلية على لبنان، وهو ما دفع برئيس الجمهورية جوزاف عون إلى الإعلان عن خيار التفاوض لتجنيب لبنان أي مخاطر وحماية البلد. وقد احتفظ عون للدولة اللبنانية بحق اختيار شكل المفاوضات وآلياتها. ما يعني أنه ترك الباب مفتوحاً أمام خيار التفاوض غير المباشر. لكن مسألة التفاوض المباشر كانت قد طُرحت أيضاً قبل فترة، وتحديداً قبل ذهاب رئيس الجمهورية إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكانت هناك ضغوط لدفع عون إلى التعبير عن رغبة لبنان في التفاوض من على منبر الأمم المتحدة، وهو ما لم يحصل في حينها. وكان لبنان يشدد على ضرورة وقف الضربات الإسرائيلية والانسحاب من الجنوب، وبعد ذلك يمكن البحث في كل الملفات.
أفكار تفاوضية "مبتكرة"
عملياً يتوزع موقف لبنان على خيارات عديدة. أولها عدم الدخول في مفاوضات مباشرة ما دامت إسرائيل تواصل اعتداءاتها وضرباتها وتحتل أراضي لبنانية. ثانيها، أن التفاوض يجب أن يكون من ضمن لجنة مراقبة وقف إطلاق النار "الميكانيزم" ما دام كل الأطراف ممثلين فيها. وفي المقابل، جرى النقاش مع مسؤولين لبنانيين في أفكار أخرى، بينها رفع مستوى التفاوض ليتحول إلى تفاوض مباشر، لكن أن يكون الوفد تقنياً عسكرياً، فيما طُرحت فكرة أخرى وهي تعيين شخصية سياسية ضمن لجنة الميكانيزم للمشاركة في المفاوضات. وثمة فكرة أخرى مطروحة هي حصول مفاوضات مباشرة على مستوى عسكري وتقني تمتد لفترة معينة لأجل تأمين ظروف انسحاب إسرائيل من الجنوب ووقف الاعتداءات. فإذا نجحت هذه المفاوضات، يمكن حينها تغيير مستوى التفاوض.
لبنان منفتح على صيغة "مقبولة"
في هذا السياق، تستمر الاتصالات واللقاءات بين المسؤولين، وآخرها كان لقاء رئيس الجمهورية جوزاف عون برئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث جرى النقاش في هذا التفاوض والآلية التي ستعتمد. وحتى الآن، لا يزال لبنان يرفض الدخول في مفاوضات سياسية ومباشرة مع إسرائيل، ولكنه منفتح على البحث في صيغة تكون مقبولة. في المقابل، فإن حزب الله يرفض المفاوضات المباشرة، ويعتبر أن هناك اتفاقاً يجب على الدول الضغط على إسرائيل لتطبيقه.
هل تريد إسرائيل المفاوضات فعلاً؟
في أي حال، وفي انتظار ما سيقرره لبنان حول شكل هذا التفاوض، يتركز السؤال الأساسي حول الموقف الإسرائيلي، وسط تضارب في المعلومات بين إصرار إسرائيل على استدراج لبنان إلى مفاوضات لا تُقدّم فيها أي تنازل، وبين رفضها التفاوض وإبقاء الوضع على حاله، لأنه يلائمها إذ يتيح لها مواصلة تنفيذ عمليات عسكرية وأمنية عندما تشاء، ومن دون استدراج أي رد عسكري من جانب حزب الله.
17 أيار واستحقاق الإقرار في البرلمان
التفاوض سيكون بهدف الوصول إلى اتفاق يمكن أن تُطلق عليه تسمية "اتفاق وقف الأعمال الحربية أو العدائية" أو اتفاق إنهاء حالة الحرب. لكن الأساس فيه، هو نقل لبنان إلى مرحلة جديدة من العلاقة مع إسرائيل، ونقله إلى مرحلة سياسية جديدة على الصعيدين الخارجي والداخلي. وأي اتفاق من هذا النوع، وبكل ما فيه من أبعاد، سيكون مشابهاً لاتفاقية الهدنة أو اتفاق 17 أيار الذي يعود الإسرائيليون إلى فتح أوراقه ودفاتره والبحث في إدخال المزيد من التعديلات عليه. وهذا يعني أن الاتفاق سيكون في حاجة إلى إقراره في المجلس النيابي الذي قد لا تتيح توازناته إقرار أي اتفاق من هذا النوع، بل تكون المفاوضات حالياً مجرد محاولة لإرساء أرضية معينة، لا بد من تثبيتها مع الانتخابات النيابية المقبلة، وفي ظل المساعي إلى تغيير التوازنات السياسية داخل المجلس النيابي.