زيادات رواتب القطاع العام: قيمة مفقودة و"مساعدات" استنسابية

كتبت عزة الحاج حسن في المدن:

"تتعامل السلطة السياسية مع موظفي القطاع العام وتدير قطاعاً يضم قرابة 400 ألف عائلة بين موظفين ومتعاقدين ومتقاعدين، على قاعدة "التذاكي" و"الاستخفاف" بحقوق إنسانية ومعيشية لا تتجاوز الحد الأدنى من مقومات العيش.

اليوم، وبعد مهاترات ومزايدات دامت لأسابيع وقّع مجلس الوزراء الزيادات والمساعدات المؤقتة للعاملين في القطاع العام والمتقاعدين وبدل نقل للموظفين، عقب تشريع مجلس النواب منذ يومين فتح اعتمادات مالية لتلك المساعدات.

يصوّر مجلس الوزراء بكافة أعضائه قرار الزيادات المؤقتة للعاملين في القطاع العام، على أنه إنجاز يحتّم على الموظفين العودة إلى أعمالهم ووظائفهم، وعلى المتقاعدين الكف عن التحركات المطلبية، "فالزيادة 7 أضعاف الرواتب هي زيادة معقولة"، حسب مصدر وزاري. إذ باعتقاده أن الزيادة التي تمت اليوم بقيمة 4 أضعاف الرواتب، تُضاف إلى تلك السارية مؤخراً، أي 3 أضعاف الرواتب، لتصبح 7 رواتب. فهي من جهة تعزز قدرة الموظفين والمتقاعدين على تأمين معيشتهم والعودة إلى أعمالهم، ومن جهة أخرى تُجنّب الليرة مزيداً من التدهور، والأسعار مزيداً من التضخم.

بهذه البساطة تتعامل السلطة مع مسألة القطاع العام. وحول ما إذا تم إجراء دراسة لتحديد الزيادات بالمقارنة مع نسب التضخم وتأمين إيرادات وترشيد نفقات وغير ذلك، فلا جواب. باختصار ترمي الحكومة بأرقام الزيادات وتترك هامشاً للتحرك لكل وزير في وزارته، فيكافئ ويخصص زيادات إضافية وإكراميات لمن يشاء وقتما يشاء. وهو ما يكرّس اللاعدالة بين موظفي القطاع العام.


مضاعفة الزيادات وليس المداخيل

دخل قرار زيادة رواتب العاملين في القطاع العام 4 أضعاف حيز التنفيذ، غير أن مجمل الزيادات التي تم إقرارها خلال سنوات اندلاع الأزمة المالية في لبنان لا تزيد عن 7 أضعاف مداخيل الموظفين، في حين أن نسب التضخم فاقت 37 ضعفاً. ما يعني أن الزيادات الحالية قد لا تغطي تكلفة معيشة أسبوع واحد لعائلة موظف بالقطاع العام، خصوصاً أن سحب الرواتب سيتم على سعر دولار منصة صيرفة الحالي، أي بما يفوق 86 ألف ليرة. هذا في حال لم يرفع مصرف لبنان سعر دولار صيرفة في الأيام المقبلة.

وتستنكر رئيسة رابطة موظفي الإدارة العامة، نوال نصر، الزيادات غير المنصفة وغير العادلة بحق موظفي القطاع العام. إذ ورغم الزيادات اليوم، ستتراوح رواتب الموظفين بين 143 و153 دولاراً. إذ أن الرواتب يتم صرفها على سعر منصة صيرفة التي تتجاوز اليوم 86 ألف ليرة.

وبحسبة بسيطة لمعاش متقاعد من القطاع العام، على سبيل المثال، يبلغ راتبه الأساس مليون ليرة. فإنه حين كان يتقاضى 3 أضعاف معاشه بات مدخوله 3 ملايين ليرة إلى 50 دولاراً على دولار منصة صيرفة البالغ 60 ألف ليرة سابقاً. أما اليوم، فالمتقاعد نفسه سيتقاضى 7 أضعاف معاشه أي 7 ملايين ليرة أو ما يعادل 81 دولاراً على دولار منصة صيرفة البالغ أكثر من 86 ألف ليرة. ما يعني أن مضاعفة الزيادات لن ينتج عنها مضاعفة مداخيل، بسبب احتساب دولار صيرفة بسعر 86 ألف ليرة وليس 60 ألف ليرة. ما يعني أن المداخيل لن تتضاعف مع الزيادات.

وتتعمد الحكومة اعتماد لعبة دولار صيرفة لتجريد الموظفين من مكتسبات مالية. وحسب نصر، فإن الأجراء والمتعاقدين يتقاضون رواتبهم في نهاية كل شهر، فيما موظفو الملاك يتقاضون رواتبهم في أول كل شهر. وبناء على قرار وزير المال مؤخراً بأن تُصرف رواتب شهر أيار على سعر 60 ألف ليرة للدولار، فقد تقاضى موظفو الملاك رواتبهم على 60 ألف ليرة للدولار، فيما تقاضى زملاؤهم من الأجراء والمتعاقدين في الإدارة العامة رواتبهم عن أيار نهاية الشهر، على سعر دولار 86 ألف ليرة.

 

استنسابية الزيادات والمكافآت

وتُضاف مسألة استنسابية الزيادات والمكافآت إلى التفاف السلطة على زيادات الرواتب. فالحكومة تترك هامشاً واسعاً لكل وزير، لتخصيص موظفين محدّدين بمكافآت مالية أو زيادات تكرّس الفوارق بين مداخيل موظفي القطاع العام.

ولا شك أن موظفي القطاع العام بأمسّ الحاجة لتلك المخصّصات والزيادات، إلا أن الاستنسابية في توزيعها يجعل منها أداة تفرقة بين العاملين في القطاع. وهو ما تتعمّد السلطة إحداثه. ومن بين تلك المخصصات بطاقة مخصصة لموظفي أوجيرو تم تحويلها من قبل وزير الاتصالات عن شهر شباط لتعبئة البنزين بقيمة 7 ملايين و220 ألف ليرة. ويُضاف ذلك إلى تخصيص 25 في المئة من رواتب موظفي اوجيرو بالدولار الفريش.

وفي وزارة المال تم صرف حصص الموظفين من العائدات والغرامات، وبقرار من وزير المال على دولار الـ15 ألف ليرة للدولار. كما صرفت وزارة المال لموظفين آخرين عاملين في الجمارك بدل ساعات إضافية مبالغ مالية يفوق مجموعها مجمل رواتب زملائهم.

 

تذكير بالزيادات

وبالعودة إلى الزيادات التي أقرّها مجلس الوزراء فهي التالية: أربعة أضعاف الراتب الذي يتقاضاه موظفو الملاك في القطاع العام والمتعاقدون والأجراء لديه، على أن لا يقل هذا التعويض المؤقت عن 8000000 ليرة شهرياً (فقط ثمانية ملايين ليرة شهرياً).

ثلاثة أضعاف الراتب الأساسي ومتمماته الذي تتقاضاه الأسلاك العسكرية، على أن لا يقل هذا التعويض المؤقت عن 7000000 ليرة شهرياً (فقط سبعة ملايين ليرة لبنانية شهرياً).

ثلاثة أضعاف المعاش التقاعدي للمتقاعدين في جميع الأسلاك الذين يستفيدون من معاش تقاعدي (على أن يتم احتساب معاش العسكري المتقاعد على أساس المعاش بالإضافة الى كامل المتممات).

يضاعف بدل الساعة أو البدل الشهري المقطوع لمقدمي الخدمات الفنية، وكذلك بدل ساعة التعليم للمتعاقدين مع الجامعة اللبنانية والمتعاقدين بالساعة في المعهد الوطني العالي للموسيقى (الكونسرفتوار).

يضاف 50 في المئة على بدل الساعة للمتعاقدين في التعليم الأساسي والتعليم المتوسط والتعليم الثانوي والتعليم المهني والتقني والتعليم الزراعي الفني الرسمي.

لا يجوز، في مطلق الأحوال، أن يتجاوز التعويض المؤقت المبينة أعلاه والمعطى للمستفيد عن 50000000 ليرة شهرياً (فقط خمسون مليون ليرة لبنانية شهريا).

باستثناء الأسلاك العسكرية في الخدمة الفعلية، في حال استفاد أي من المذكورين في الفقرة الأولى أعلاه من أكثر من تعويض أو مساعدة اجتماعية، يتوجب على المستفيد إبلاغ الإدارة المعنية عن الازدواجية ويستحق عندها فقط المساعدة الأعلى."