المصدر: المدن
الكاتب: أنيس المهنا
الأربعاء 26 تشرين الثاني 2025 12:57:14
في أيار 2001، وقف البابا يوحنا بولس الثاني على أرض دمشق في زيارة تاريخية كانت الأولى من نوعها إلى سوريا، مجسداً بداية عهد جديد في ظل تولي الرئيس المخلوع بشار الأسد السلطة آنذاك. جاءت تلك الزيارة برسالة واضحة حول الحوار بين الأديان ودور المسيحيين كجسر للتواصل. اليوم، بعد ربع قرن تقريباً، تتجه أنظار المسيحيين السوريين إلى زيارة البابا لاون الرابع عشر إلى لبنان (تشرين الثاني 2025)، على أمل أن تحمل لهم رسالة سلام جديدة في ظل أوضاع معقدة، معتبرين أن اختيار البابا لبنان كأول محطة له هو "رسالة مباشرة" لكل مسيحيي الشرق، وليس اللبنانيين فحسب.
دعوات لدعم "الدولة السورية الجديدة"
يُعبّر الدكتور نوار نجمة، المتحدث الإعلامي للجنة الانتخابات العليا، عن تطلّعات المسيحيين السوريين تجاه هذه الزيارة والفاتيكان، قائلاً: "نثمّن دور الفاتيكان المهم والداعم للثورة السورية، الأمر الذي أكدته عدة رسائل أرسلها الفاتيكان للنظام السابق يدين فيها الانتهاكات التي كان يقترفها في سجن صيدنايا".
ويؤكد نجمة على "الموقف التاريخي للفاتيكان الداعم لبقاء المسيحيين في سوريا وعدم مغادرتهم، حرصاً منه على بقاء الوجود المسيحي في الشرق"، مشيراً إلى أن الفاتيكان كان "داعماً للتعايش المسيحي ضمن الدولة الوطنية في سوريا لكي يستطيع المسيحيون لعب دورهم كمواطنين سوريين حقيقيين".
ويتطرق نجمة في حديثه لـ"المدن" إلى الموقف الدولي الحالي، قائلاً: "دعا بابا الفاتيكان صراحةً في الآونة الأخيرة إلى رفع العقوبات عن سوريا، وهو لا يزال يدعم الوجود المسيحي في الشرق خصوصاً في سوريا كمكوّن أساسي من مكوّنات المجتمع السوري".
ويضيف نجمة: "السوريون المسيحيون يطلبون اليوم من الفاتيكان أن دعم الدولة السورية الجديدة، وأن يساهم أيضاً في إزالة العقوبات عن الشعب السوري، لأن هذا يعود بالازدهار على سوريا الأمر الذي يستفيد منه كل السوريين مسلمين ومسيحيين".
ويختتم نجمة حديثه كاشفاً لـ"المدن" عن تطور سياسي مهم، بأن"الرئيس السوري أحمد الشرع سيزيد حصة المسيحيين في البرلمان المقبل من الحصة التي سمح له الإعلان الدستوري بتعيينهم في هذا البرلمان، والذي سيعلن عنه قريباً جداً".
رسالة رجاء ودور سياسي
من جهة الكنيسة السورية، يقول المطران يوليان يعقوب مراد، رئيس أساقفة حمص وتوابعها للسريان الكاثوليك، لـ"المدن"، إن "زيارة البابا لاون الرسولية الأولى إلى لبنان ولكل الشرق الأوسط، هي زيارة لا تعني اللبنانيين وحدهم، بل تعنينا كسوريين أيضاً".
ويشير المطران مراد إلى أن "لقاء البابا بمسيحي الشرق الأوسط في بداية ولايته هي رسالة رجاء وتعميق لفهم الكنيسة الكاثوليكية لأهمية المسيحيين الشرقيين كونهم هم جذور المسيحية الأولى"، مضيفاً: "على الكنيسة وعلى العالم أن ينتبه إلى البقية الباقية منهم لحمايتها والحفاظ عليها".
ويرى أن "اختيار البابا لاون لأن تكون زيارته الأولى إلى لبنان والشرق الأوسط، والمسيحيين الشرقيين، هي علامة اهتمام مباشر، ووعي الكنيسة الكاثوليكية لهذه الجماعات الأصيلة".
ويتوقع المطران مراد أن يكون للزيارة "تأثير دبلوماسي وسياسي كبيرين لدى الحكومة الحالية في دمشق، لتلتفت بشكل أكبر إلى وجودنا وأهميته، خصوصاً في ظل الأزمة السياسية القائمة في البلد، والتي لا تسمح لنا كمسيحيين، أن نكون شركاء حقيقيين في هذا الوطن".
ويتابع: "من المؤكد أن هذا الدور، نحن الذين نفرضه، ولكن في ظل السياسة الحالية القائمة على اللون الواحد والمرجعية الواحدة، أي على مركزية السلطة ذات اللون الواحد، الأمر الذي لا يترك لنا أي فرصة للعب أي دور حقيقي على الصعيد السياسي، ولو أننا على الصعيد الاجتماعي نقوم بدور كبير ورائد".
كذلك، يُحذّر المطران مراد من معاناة بعض المسيحيين في شمال شرق سوريا، قائلاً: "المسيحيون في المناطق التي هي تحت السيطرة الكردية يتعرضون للعزل الكامل عن العالم والمجتمع الدولي وعن المجتمع الآخر في تلك المنطقة، الأمر الذي يسبب ضرراً كبيراً على البقية الباقية من المسيحيين هناك".
بدوره، يرى العميد المتقاعد د. رزق الياس أن "زيارة البابا إلى لبنان سوف تضيف للمسيحيين في سوريا ولبنان المزيد من الاطمئنان على وجودهم، لا سيما إذا ما أدلى البابا ، بتصريحات على أن بقاء المسيحيين يجب أن يبقى شعلة النور والمحبة في الأرض التي هي مهد السيد المسيح، ليكونوا نور العالم كما أرادهم السيد المسيح".
رسالة التعايش و تحدي البقاء
إذا كانت زيارة البابا يوحنا بولس الثاني لدمشق في العام 2001 قد جاءت في ظل نظام "مستقر" وبرسالة تركز على "الحوار" و"الشراكة"، فإن زيارة البابا لاون الرابع عشر إلى لبنان اليوم تأتي في مرحلة بالغة الحساسية، حاملةً رسالةً للمسيحيين للتضامن مع مجتمعات سورية مختلفة، في بلد خرج من تحت غبار الحرب ويمرّ بمرحلة انتقالية وتاريخية هشة.
قبل ربع قرن قال البابا يوحنا بولس الثاني عند دخوله للجامع الأموي: "علينا أن نطلب الغفران من الله على كل شيء، عن كل مرة أهان فيها المسلمون والمسيحيون بعضهم بعضاً، كما علينا أن يغفر بعضنا للبعض الآخر".
أما اليوم فالرسالة التي سيحملها البابا من بيروت، كما كانت الحال من دمشق قبلها، هي أن مستقبل الشرق مرتبط بتنوعه وبتعايش أبنائه. وبالرغم من التحديات التي تواجه المسيحيين السوريين - من عزل في بعض المناطق إلى محدودية الدور السياسي - بحسب المطران مراد، فإن الزيارة تبقى بمثابة ضوء يؤكد لمسيحي سوريا أن العالم لم ينسَ "جذور المسيحية الأولى" في أرض كانت وما زالت مهداً للحضارات والأديان.