المصدر: الديار
الكاتب: دوللي بشعلاني
الجمعة 12 أيلول 2025 07:06:09
يُفترض أن يحطّ قداسة البابا لاون الرابع عشر في مطار بيروت في أوائل كانون الأول المقبل، بحسب ما سبق وأن كشف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في 19 آب الفائت في حديث عبر "العربية" عندما أعلن أنّ "البابا لاون الرابع عشر سيزور لبنان في كانون الأول المقبل، ونحن بانتظار إعلان الفاتيكان عن موعد الزيارة تحديداً".
ولا يزال لبنان ينتظر الإعلان الرسمي من الفاتيكان لتأكيد التواريخ الرسمية، الأمر الذي لم يحصل حتى الساعة. كما أنّ المكتب الصحفي في الكرسي الرسولي لم يُعلّق على كلام البطريرك الراعي. على أنّ زيارة الحبر الأعظم إلى لبنان ستكون جزءاً من رحلة قال البابا إنّه يأمل القيام بها إلى تركيا في أواخر تشرين الثاني. وسبق وأن أخبر الحجّاج الكاثوليك والأورثوذكس من الولايات المتحدة، الذين زاروه في تمّوز الفائت، أنّه يأمل في السفر إلى تركيا للاحتفال بالذكرى السنوية الـ 1700 لمجمع نيقية الأول (عام 325)، الذي وضع لأول مرة العقيدة المسيحية المشتركة.
وينوي البابا لاون 14، على ما تلفت المصادر، ولا سيما أنّه عندما كان الكاردينال روبرت فرنسيس بريفوست ويشغل منصب رئيس دائرة الأساقفة في الفاتيكان، تلبية رغبة البابا فرنسيس (كونه كان مقرّباً به)، في زيارة تركيا في أيار (2025)، ولا سيما إزنيك، الموقع الحديث لمدينة نيقية القديمة، للاحتفال بالذكرى السنوية للمجمع مع البطريرك المسكوني الأورثوذكسي برثلماوس القسطنطيني. إلّا أنّه أسلم الروح قبل موعد زيارته هذه بشهر واحد في 21 نيسان الماضي. وأُجّل القداس المخطط له، على الرغم من أنّ وفود الفاتيكان كانت قد عقدت بالفعل اجتماعات تحضيرية في إزنيك.
كما يرغب قداسته في تحقيق رغبة سلفه أيضاً في زيارة لبنان التي لم تحصل بسبب الظروف السياسية والأمنية رغم أنّه جرى الإعلان عنها في وقت سابق. هذا البلد الذي عبّر البابا فرنسيس عن محبته له، وقال عنه "إنّه في قلبه"، ولم يتوان عن ذكره في عظاته في كلّ المناسبات الدينية وفي المواقف السياسية داعياً إلى وقف الحرب في دول الشرق الأوسط.
وإذ لم يصدر أي بيان رسمي من دوائر القصر الجمهوري عن زيارة البابا لاون 14 إلى لبنان، ولا عن موعدها وبرنامجها، ويرتبط صدوره بالإعلان الرسمي من الفاتيكان، كون البابا هو رئيس دولة، تشير المصادر، وفق معلومات صادرة عن مسؤول في الفاتيكان بأنّه تجري دراسة خطة لزيارة البابا إلى تركيا في أواخر تشرين الثاني (في 30 منه) والى لبنان في أوائل كانون الأول.
ولهذا بدأت الاستعدادات بالفعل لهذه الزيارة التاريخية للبابا لاون 14 إلى لبنان، من دون تأكيد مواعيدها بعد. ولدى السؤال عن تفاصيل هذه التحضيرات، يُقال إنّ لا شيء مؤكّد بعد. وكأنّ لبنان لم يعد يُصدّق بأنّ البابا سيزوره، أو أنّه سيكون من ضمن رحلته التاريخية الأولى إلى الخارج منذ انتخابه رأساً للكنيسة الكاثوليكية في 8 أيّار المنصرم. رغم ذلك، تؤكّد المصادر، أنّه غالباً ما تكون زيارة البابا إلى لبنان لمدّة يومين، يجتمع خلالها مع رئيس الجمهورية والمسؤولين السياسيين، ومع رجال الإكليروس، ويُقيم قدّاساً احتفالياً لجميع اللبنانيين في مكان ضخم يتسع لأكبر عدد ممكن من المؤمنين، إلى جانب الاحتفال بقدّاس الشبيبة في بكركي أو حاريصا يُخصّص للشباب والشابات. ويتخلّل هذه اللقاءات السياسية والشعبية عظات للبابا وتوجيهات للمرحلة المقبلة. ولا يُعلم حتى الآن إذا ما كان البابا لاون 14 سيضع برنامجاً آخر، لزيارته هذه أو سيسير على خطى أسلافه.
وقد سبق وأن زار لبنان 3 باباوات، على ما ذكّرت المصادر، -الأول: البابا بولس السادس خلال عهد الرئيس شارل حلو في العام 1964، زار لبنان لمدّة خمسين دقيقة فقط لدى توقّفه في مطار بيروت الدولي أثناء رحلة إلى الهند.
- الثاني، البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني، المحبوب من قبل اللبنانيين، الذي قام بزيارة تاريخيّة راعوية إلى لبنان في 10 و11 أيار 1997. وسلّم خلالها الإرشاد الرسولي الذي وُلد في جمعية سينودوس الأساقفة الخاصّة، بعنوان "رجاء جديد للبنان". وقد اشتهر بقوله إنّ لبنان هو "بلد الرسالة".
- والثالث، البابا بنديكتوس السادس عشر الذي زار لبنان من 14 إلى 16 أيلول 2012، ووقّع خلالها على الإرشاد الرسولي من أجل الشرق الأوسط بعنوان «الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط، شركة وشهادة»، مؤكداً على أهمية لبنان كنموذج للتعايش المسيحي- الإسلامي ودعوته إلى السلام والمصالحة. كما أصرّ على زيارة لبنان ليكون مكان توقيع هذا الإرشاد، رافضاً عروضاً من دول أخرى في المنطقة ليكون ذلك فيها.
فيما حالت الظروف دون زيارة البابا فرنسيس إلى لبنان. علماً بأنّ هؤلاء الباباوات الثلاثة الأخيرين المتعاقبين على كرسي بطرس، قد قام كلّ منهم بزيارة البطريركية في تركيا للمشاركة في احتفالات 30 تشرين الثاني، المتعلّقة بعيد القديس أندراوس، شفيع البطريركية.
وتكتسب هذه الزيارة إلى لبنان في حال حصولها، أيّاً كان موعدها، أهميةً بالغة لرمزيتها الديبلوماسية والسياسية والروحية، إذ يتمتع البابا لاون 14 بتاريخ طويل في الدعوة إلى السلام في الشرق الأوسط. وقد التقى أخيراً برئيس الجمهورية جوزاف عون في الفاتيكان وقد دعاه إلى زيارة لبنان. وأبدى البابا التزامه بالحوار بين الأديان والأخوة، وحثّ على إنهاء الحرب والمضي قُدماً نحو السلام.
وعن أسباب وأبعاد الزيارة في هذه المرحلة الدقيقة من عمر لبنان والمنطقة، تؤكّد المصادر أنّها تتمحور حول معطيات عديدة أبرزها:
1* السلام والاستقرار: فقد دعا البابا لاون 14 مراراً وتكراراً، على غرار البابا فرنسيس ملهمه، إلى إنهاء الصراعات وإيجاد طريق للسلام في الشرق الأوسط.
2* الأهمية الدينية ودعم المجتمع المسيحي: يشعر الفاتيكان بالقلق إزاء عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في لبنان، ما يهدد وجود مجتمعه المسيحي. ومن شأن الزيارة البابوية أن توفر الدعم للكنيسة المحلية، وتعطي دفعاً للمسيحيين عموماً وللعهد الجديد خصوصاً.
3* رمز الحوار بين الأديان: إن تركيز البابا على الحوار بين الأديان، واجتماعاته الأخيرة مع وفود من مختلف الأديان، يجعلان زيارته إلى تركيا ولبنان في توقيت مناسب للغاية. واختار لبنان لأنّه بلد متنوع يضم عدداً كبيراً من السكان المسيحيين، ما يجعله رمزاً للتعايش بين المسلمين والمسيحيين، وهي رسالة يريد البابا نقلها إلى المنطقة.
4* صلة رمزية بالزيارات البابوية السابقة: ستسير هذه الزيارة على خطى البابوين السابقين، يوحنا بولس الثاني وبنديكتوس 16، اللذين زارا لبنان أيضاً من أجل تعزيز رسائل السلام والتعايش الديني.
كذلك تأتي هذه الزيارة التاريخية والراعوية للبابا الجديد، على ما تضيف المصادر، كرسالة قوية إلى المتقاتلين في المنطقة، كونها الأولى له إلى الخارج عقب انتخابه. هو الذي يُعرف بخبرته العالمية والتزامه بتعزيز السلام. كما انه ضد استمرار الحرب في لبنان والمنطقة، وضدّ تهجير المسيحيين وشعوب هذه الأرض. إلى جانب احتفاله أخيراً بالذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت، وهو حدث مهم للبنان.
وتجد أنّه سيكون لها أهمية جيوسياسية أيضاً، كونها ستضع البابا على مقربة من الصراع في غزًّة والصراع الفلسطيني - "الإسرائيلي" الأوسع، ما قد يسمح له بضم صوته إلى دعوات السلام.
وبصفته أول بابا أميركي، فقد يُحدّد اختيار لاون 14 للبنان، وفق المصادر، كأول رحلة دولية له مسار حبريته، على غرار أول رحلة رئيسية للبابا فرنسيس إلى لامبيدوزا، والتي ركزت على الهجرة والمجتمعات المهمشة.