ساعات حاسمة لبريكست

استبق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون محادثاته مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في بروكسل الأربعاء، مؤكداً أن بلاده مستعدة لنهاية المرحلة الانتقالية مع الاتحاد الأوروبي، أياً كانت الترتيبات التجارية المقبلة مع التكتل، بعد خروج المملكة المتحدة منه (بريكست).

ويسابق قادة الاتحاد وبريطانيا الوقت لإبرام اتفاق تجاري بين الجانبين، يلي "بريكست"، قبل 3 أسابيع من نهاية المرحلة الانتقالية. وبعد مفاوضات دامت شهوراً، فشلت في تقريب وجهات النظر بين الجانبين، تأمل بروكسل ولندن تحقيق اختراق، خلال لقاء فون دير لاين وجونسون، عشية قمة أوروبية تشهدها العاصمة البلجيكية.

وانسحبت المملكة المتحدة من الاتحاد في 31 يناير، منهية عضوية دامت 47 عاماً، لكنها لا تزال ضمن السوق الأوروبية الموحدة، المستثناة من الرسوم الجمركية، والاتحاد الجمركي للتكتل، حتى نهاية العام. وسيضمن التوصل إلى اتفاق تجاري قبل نهاية ديسمبر، عدم فرض رسوم جمركية أو حصص على تجارة السلع في 1 يناير المقبل، على الرغم من فرض تكاليف جديدة، واعتماد إجراءات روتينية للشركات.

رسوم جمركية
وأفادت وكالة "أسوشيتد برس" بأن الفشل في إبرام اتفاق، يعني فرض رسوم جمركية وقيود أخرى، تؤذي الجانبين، على الرغم من أن معظم المحللين الاقتصاديين يعتقدون أن الاقتصاد البريطاني سيتعرّض لضربة أكبر، إذ إن نحو نصف التبادل التجاري للمملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي.

وفشل الطرفان في تذليل خلافات بشأن 3 ملفات، هي حقوق الصيد، وقواعد المنافسة العادلة، وإدارة النزاعات المستقبلية. ويخشى الاتحاد أن تخفّض بريطانيا معايير اجتماعية وبيئية، وتضخّ أموالاً عامة في صناعاتها، لتصبح منافساً اقتصادياً بقواعد متدنية، على عتبة الاتحاد الساعي إلى ضمانات بشأن "تكافؤ الفرص"، في مقابل الوصول إلى أسواقه.

وأشارت "أسوشيتد برس" إلى أن المملكة المتحدة تربط خروجها من الاتحاد بالسيادة و"استعادتها السيطرة" على قوانينها وحدودها ومياهها. وتعتبر أن التكتل يطرح مطالب لم يفرضها على دول أخرى، ويحاول إلزام لندن بقواعده إلى موعد غير محدد.
"حلّ كندي أو أسترالي"
وقال جونسون أمام مجلس العموم (البرلمان) البريطاني: "لا يزال هناك اتفاق جيد علينا إنجازه". واستدرك أن اقتراحات بروكسل بشأن الصيد ستعني أن بريطانيا ستكون "الدولة الوحيدة في العالم التي لا تملك سيطرة سيادية على مياه الصيد الخاصة بها". وأضاف: "هذه ليست شروطاً يجب أن يقبلها أي رئيس وزراء في هذا البلد".

وتابع جونسون: "ستكون هذه الدولة مستعدة لحلّ كندي أو أسترالي، وستكون هناك وظائف في البلد، في المملكة المتحدة بأكملها، ليس فقط على رغم بريكست، ولكن نتيجته"، علماً أن وكالة "رويترز" أفادت بأن لكندا اتفاقاً تجارياً مع الاتحاد الأوروبي، عكس أستراليا.

ونقلت "أسوشيتد برس" عن جونسون قوله: "يصرّ أصدقاؤنا في الاتحاد على أنهم إذا أقرّوا قانوناً جديداً في المستقبل، لا نمتثل له في هذا البلد أو لا نتبعه، فإنهم يريدون حقاً تلقائياً بمعاقبتنا والانتقام" منا. واعتبر أن ذلك ليس مقبولاً.

وكرّر أن بريطانيا "ستزدهر بقوة"، باتفاق أو من دونه. وتحدث عن "اغتنام كل الفرص التي يجلبها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي"، من خلال استعادة السيطرة على أموالها وحدودها وقوانينها.

"دولة ساحلية مستقلة"
وقبل ساعات من لقاء فون دير لاين وجونسون، أبدى الوزير البريطاني مايكل غوف تصلّباً، بقوله لراديو "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي): "أعتقد أن هناك مجالاً لتسوية، لكن ذلك قائم بشأن الطريقة التي يمكن للقوارب الأوروبية أن تستمر من خلالها في الوصول إلى المياه البريطانية".

واستدرك: "ما لا يمكن تسويته هو مبدأ أن المملكة المتحدة ستكون دولة ساحلية مستقلة، وأن الأمر سيكون مسألة تفاوض مع الاتحاد الأوروبي، مع سيطرة المملكة المتحدة على مياهنا"، كما أفادت "رويترز".
وأضاف غوف: "لدى دول، مثل آيسلندا والنرويج، وحتى جزر فارو، سيطرة على مَن يدخل مياهها". وتابع: "أعتقد أننا يمكن أن نكون أسخياء جداً بشأن ذلك. أعتقد أن بإمكاننا التوصل إلى ترتيبات مع الدول الأوروبية، تتيح عملية مرحلية، بحيث تكون هناك درجة من اليقين، تمكّنهم من إدارة ذلك". وزاد: "إن لم نشهد تحركاً من الاتحاد الأوروبي، فسيكون ذلك صعباً جداً".

جاء ذلك بعدما أطلع ميشال بارنييه، أبرز المفاوضين الأوروبيين، وزراء الاتحاد الأوروبي على آخر مستجدات محادثاته مع نظيره البريطاني ديفيد فروست، وكتب على "تويتر": "لن نضحّي بمستقبلنا أبداً من أجل الحاضر. الوصول إلى سوقنا يأتي بشروط".

"وحدة سوق" الاتحاد
في المقابل، رأت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن "ثمة فرصة لإبرام اتفاق" مع لندن، علماً أن بلادها تتولّى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي حتى نهاية العام.

وأضافت أمام البرلمان الألماني: "نستمر بالعمل، لكننا مستعدون لمواجهة شروط لا يمكننا القبول بها. يجب أن تكون لدينا شروط عادلة، ليس فقط اليوم، بل غداً وبعد غد. ولفعل ذلك، يجب أن تكون لدينا اتفاقات بشأن كيفية رد فعل أحدهم، إذا بدّل الآخر وضعه القانوني. وإلا فستكون هناك ظروف تنافسية غير عادلة، لا يمكننا أن نطلبها من شركاتنا". وزادت أن أي اتفاق "يجب أن يحافظ على وحدة السوق الداخلية" للاتحاد.
شطرا إيرلندا
وكانت بريطانيا أعلنت الثلاثاء توصّلها إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، بشأن كيفية إدارة الحدود بين إيرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة، وإيرلندا الجنوبية، وهي عضو في التكتل. وأضافت أنها ستلغي 3 بنود مثيرة للجدل، في مشروع قانون مطروح على مجلس العموم، تنتهك اتفاق "بريكست"، إذ تحرم بروكسل من أي دور في الاتفاقات التجارية المقبلة بين شطرَي إيرلندا، في خطوة تهدد اتفاق السلام المبرم في عام 1998.

وأفادت وكالة "فرانس برس" بأن الوزير البريطاني مايكل غوف ونائب رئيسة المفوضية الأوروبية ماروس سيفكوفيتش، توصلا لاتفاق "مبدئي" بشأن الترتيبات الحدودية لإيرلندا الشمالية، يشمل عبور البضائع من بريطانيا إلى المقاطعة، ومنها إلى السوق الأوروبية الموحدة، عبر جمهورية إيرلندا.

ونقلت "رويترز" عن نائب رئيس الوزراء الإيرلندي ليو فارادكار قوله إن إبرام اتفاق تجاري بين لندن وبروكسل ممكن، مستدركاً أن فرص النجاح لا تتجاوز 50 بالمئة.