المصدر: اللواء
الخميس 3 حزيران 2021 09:32:49
كتبت غوى اسعد في اللواء:
«وسط بيروت»، قلب المدينة الّذي لم يعد نابضاً! فبعد سلسلةٍ من الضّربات والنّكبات والصّعوبات الّتي لجمت العاصمة، بدءاً من الحراك الشعبي أواخر عام 2019 ثمّ تداعيات تفشي جائحة كورونا وتدهور الوضع الإقتصادي والمالي وصولاً إلى إنفجار المرفأ في آب 2020 الّذي كان الضّربة القاسمة، شُلَّت الحركة وتوقفت العجلة في لبنان عموماً وفي العاصمة بيروت على وجه الخصوص، إقتصاديّاً وسياحيّاً وتجاريّاً... فما تكاد تقصدَ «وسط بيروت» لتكتشف خلال الجولة الميدانية، أنّ بيروت اليوم ليست كما كانت سابقاً، لا حيويّة في الأسواق، شوارعها لم تعد تعجّ بالنّاس، المطاعم معظمها خالية، فتكاد تشعر وكأنّ روح الحياة هجرت هذه المنطقة!
مع حلول فصل الصّيف وموسم السّياحة، ماذا يقول المعنيون بهذه القطاعات لـ«اللواء» عن واقع حركة المطاعم والمؤسسات السياحيّة والتجارية؟
لواقع تجارياً واقتصادياً
في حديثٍ خاصّ لـ«اللّواء» مع رئيس جمعيّة تجار بيروت نقولا شمّاس، يشير إلى أنّ «مشهد الجمود اليوم هو مشهدٌ تراكمي، فبالعودة عشر سنواتٍ إلى الوراء، تزايدت الصعوبات الإقتصادية والمالية كثيراً بالإضافة إلى عدم إقبال السّياح، رغم أنّ الوسط التّجاري في العاصمة كان مقصداً دائماً للعرب خاصّةً، لكن هذه الحركة شحّت ودفعت عدداً كبيراً من المستأجرين إلى المغادرة، وبعد ت1 2019، تضخمت هذه الصعوبات ورافقها الإنهيار المالي واستحالة تحويل الأموال إلى الخارج وانخفاض في عمليات الشراء والطلب، مما أدّى إلى صعوبة في عملية الإستيراد، وهنا عانى التجار من انخفاض رأس المال في الوسط التجاري أكثر من غيره».
وتحدّث شمّاس عن الشّوارع الّتي شُلّت حركتها إذ، وبحسب ما قال، أنّه «بمجرد جمود شارع واحد، تمتدّ العدوى بسرعة. على سبيل المثال، شارع الباراغواي الّذي يحوي الكثير من المقاهي والذي كان باباً للشّباب الّذين يبحثون عن العمل، اليوم أُغلق والمحال تغلق فيه، المتجر تلو الآخر». وعن العواقب الّتي نجمت بعد إنفجار المرفأ والمعطيات إحصائيّاً لإغلاق المحال مع كلّ التراكمات الّتي شهدتها أحياء وسط بيروت ولبنان ككلّ، يصرّح شمّاس أنّ «المعطيات في بداية الأزمة كانت تُظهر أنّه حوالي 10% إلى 20% من المحال والمقاهي قد أقفلت، ولكن اليوم وبعد أن بلغت الصعوبات أوجها، بالكاد بقي 10% منها، ممن يزاولون نشاطهم!» وعن الأسباب الّتي أخّرت فتح بعض المحال من جديدٍ بعد إنفجار المرفأ، يكشف شمّاس أنّ «شركات التّأمين لم تدفع حتّى الآن لمحال بيروت، بسبب انتظارهم للإعلان عن أسباب الإنفجار، إضافةً الى أنّ الأموال بالعملة الصّعبة -fresh money - غير متوفّرة». وبعد سؤاله عن المساعي الجديّة الّتي يمكن أن تعيد الأمل لإنعاش بيروت مجدداً، يجيب بأنّ «المساعي مكلفة جدّاً، فخسائر وسط بيروت فقط، تقاس بمئات ملايين الدّولارات على المحال والمطاعم والمكاتب والبنى التحتية والفوقية التّجارية والسّياحية، وبالطّبع هذه الأموال غير موجودة للتعويض عن الخسارات».
ويتابع: «سعينا كثيراً لتسريع عملية دفع شركات التّأمين بالعمل مع غرفة بيروت، وأخرى عبر مطالبة الدّولة بإعطاء قروض ميسّرة، وعملنا مع وزارة المالية للحصول على إعفاءات ضريبية لمن تدمّرت مؤسساتهم جرّاء الإنفجار لأعوام 2020، 2021، 2022، وهذه كانت أحد بنود موازنة 2021، كذلك جرى الحديث مع أصحاب الأملاك في وسط بيروت كملّاكين خاصّين وسوليدير لتخفيض الإيجارات. أيضاً، تكلّمنا مع التّجار من منطلقٍ تشجيعي للعمل بشكلٍ دائم على تجديد نشاطاتهم وتطوير المواسم».
وعن الواقع اليوم وما هو منتظر، يأمل شمّاس أن «يكون صيف 2021 واعداً»، داعياً «المغترب اللّبناني لقصد بيروت ووسطها هذا الصّيف لا بل كلّ المناطق كزحلة وطرابلس...». ويختم لافتاً إلى أنّهم «انتظروا التعويضات من الدّولة ومن شركات التّأمين ومن الخارج ولكنّها لم تأتِ»، ويطالب، «فور تشكيل الحكومة وعقد المؤتمرات بأن يخصّص جزء مالي لإعادة إعمار البنية التحتية التّجارية في وسط بيروت»، أمّا «التّعويل اليوم رغم الإحباط الحاصل هو على «جرعة الأوكسيجين» الّتي يمكن أن يوفّرها السّياح هذا الموسم لإيقاف الإنهيار»، قال شمّاس.
الواقع سياحيّاً
وفي الشقّ السّياحي، تؤكّد مصادر خاصّة في وزارة السّياحة لـ«اللّواء» أنّ «الإحصاءات حول المحال والمطاعم التي أغلقت أبوابها حتى اليوم في بيروت، ليست دقيقة لأنّ معظمها يقفل دون تقديم علم وخبر في الوزارة، لسببٍ يعود إلى صعوبة الحصول على التّرخيص مجدداً».
وفي هذا الخصوص، يلفت الأمين العام لأصحاب المؤسسات السّياحية في لبنان جان بيروتي إلى أنّ «تفعيل السّياحة في وسط بيروت يتطلّب مجهوداً من بلدية بيروت ومن الجمعيات الإجتماعيّة فيها»، متسائلاً: «لماذا خسرت بيروت اليوم؟» ويجيب: «لقد خسرت لأنّ 90% من السياحة، داخليّة، وهذا يعني أنّ الناس عندما تريد أن تسوح لا تتجّه إلى أماكن قريبة بل تختار أماكن بعيدة جغرافياً»، ويوضح بيروتي أنّ «إنفجار بيروت أدّى إلى إقفال أكثر من 50% من مؤسسات بيروت والتي ما زالت حتّى اليوم مغلقة، وإضافةً إلى ذلك عطلة المواطنين عن أعمالهم من الجمعة ظهراً حتّى الإثنين صباحاً، تشجّعهم على الخروج بعيداً من بيروت»، لكنه يضيء على أنّه «رغم ذلك، هناك أحياء في العاصمة مثل الـDowntown، تكون ليلاً ونهاراً ممتلئة بالنّاس، أي ليست كلّ الأحياء تشهد الجمود، إلّا أنّ أساس تراجع الحياة في بيروت اليوم، هو تفشي الأزمات الإقتصادية والاجتماعية...» ويؤكّد أنّ «الحلول لإعادة الحياة الى العاصمة تبدأ من بلديتها، بلدية بيروت».
الواقع الاقتصادي والتّجاري والسّياحي «منكمش» في وسط بيروت إذاً، كما هو الحال في كل المناطق اللبنانية الّتي تصارع الجمود. أمّا عن المساعي لتحريكها، فكما صرّح المعنيّون يبدو أنّها «مكلفة وصعبة»، أي أنّ «العين بصيرة واليد قصيرة»، وعلى ما يبدو أنّ التّعويل اليوم قائمٌ على صيف 2021 المنتظر، وعلى المغتربين اللبنانيين القادمين، علَّ الدّورة التجارية، الإقتصادية والسّياحية في لبنان والعاصمة تنتعش بعض الشّيء. فهل حقّاً سيكون صيف هذا العام هو «جرعة الأوكسيجين» الّتي ستوقف الإنهيار أو ستبعدنا عنه قليلاً؟ وهل سيشهد «وسط بيروت» عودة الحياة مجدّداً؟