"ستارلينك" في لبنان: كم تبلغ كلفته الشهرية؟

فيما يرزح لبنان تحت ضغط بنية تحتية متآكلة، يبرز الإنترنت كأحد تجليات هذا الانهيار الصامت. وقد يكون مشروع إدخال خدمة "ستارلينك" العالمية إلى السوق اللبنانية هو الحدث الأكثر إثارة للاهتمام حالياً في هذا المجال، خصوصاً أنه يلامس الحاجة اليومية الملحّة للبنانيين إلى اتصال موثوق بالشبكة.

الملف بات على طاولة مجلس الوزراء، بعد مشاورات متقدمة بين وزارة الاتصالات والشركة الأميركية "ستارلينك" المولجة بتوفير الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية. ووفق ما تؤكده مصادر رسمية، فإن الشركة أبدت التزاماً جدياً تجاه السوق اللبنانية، وهي بصدد إنهاء المعاملات القانونية اللازمة لتسجيلها.

ويعد استقدام شركات كـ"ستارلينك" إلى لبنان، تطوراً نوعياً في سبيل تعزيز خدمات الإنترنت، وفتح الباب أمام خيارات تقنية متعددة، بعيداً عن حصرية شركة واحدة، بما يسمح بتعدد الخدمات والفرص والعروض أمام المستخدمين. هذا التنوع في السوق الرقمي قد يُسهم في تحسين الجودة، وخفض الكلفة، وتوسيع نطاق التغطية، خصوصاً في المناطق المهمّشة.

البنية التحتية: عطب مزمن
في حديثه لـ"المدن"، يشير مدير الإعلام ومشروع حوكمة الإنترنت في "سمكس" عبد الغني قطايا، إلى أن "الاعتماد الكامل على الإنترنت الفضائي لا يمكن أن يُعوّل عليه كحل بديل للبنية الأرضية". وأوضح: "لا يمكن النظر إلى هذه الخدمة كمنقذ شامل في ظل غياب شبكة ألياف بصرية متينة، وانقطاع الكهرباء، وافتقار القرى إلى أبسط مقومات البنية الرقمية".

قطايا شدد على ضرورة تطوير الشبكات المحلية أولاً، لأن "الاقتصاد الرقمي في لبنان لا يعتمد فقط على الوصول إلى الإنترنت، بل على الخدمات المرافقة له التي توفرها الشبكات الأرضية، مثل منصات الدفع وخدمات القيمة المضافة".

نسب مرتفعة.. جودة متدنية
وحسب تقرير "DataReportal" للعام 2025، يبلغ عدد مستخدمي الإنترنت في لبنان نحو 5.34 ملايين مستخدم، أي ما يعادل 91.6% من السكان. إلا أن هذا الرقم لا يعكس بالضرورة جودة الخدمة، إذ أن لبنان يحتل المرتبة 145 عالمياً في الإنترنت الثابت من أصل 154 دولة، بينما وضعه أفضل نسبياً في الإنترنت المحمول (المرتبة 75).

وأقرت وزارة الاتصالات بهذه الأزمة، مؤكدة أن "خطتنا تقوم على توسيع شبكة الألياف الضوئية، وتحقيق تغطية أوسع في المناطق الريفية، إلى جانب إدخال تقنيات حديثة مثل ستارلينك لتوفير حلول داعمة في الطوارئ".

ماذا يقدّم الإنترنت الفضائي فعلاً؟
"ستارلينك" تعتمد على كوكبة من الأقمار الاصطناعية المنخفضة المدار، تُنقل البيانات من خلالها مباشرة إلى المستخدمين عبر صحن لاقط. تقنياً، تُعدّ هذه المنظومة قادرة على توفير سرعات تصل إلى 300 أو 400 ميغابت بالثانية، لكن التجارب العالمية أظهرت واقعاً أكثر تعقيداً.

في هذا السياق، يُحذر قطايا من أن "تجربة ستارلينك ليست خالية من العيوب، خصوصاً في المناطق الجبلية أو المليئة بالعوائق الطبيعية، حيث تتأثر الإشارة بالطقس والبيئة بشكل مباشر".

وقد شكا مستخدمون في بلدان متعددة من أن السرعات تنخفض بشكل كبير في أوقات الذروة بسبب الازدحام الشبكي، وهو أمر متوقع نظراً إلى محدودية سعة كل قمر اصطناعي.

أعطال وخدمات غائبة
من المشكلات التي رُصدت عالمياً في استخدام الخدمة: الانقطاعات المتكررة، ضعف الدعم الفني، الاعتماد الكامل على التطبيق للتواصل، وصعوبات في إعادة ضبط الأجهزة عند الأعطال. كما أن غياب عنوان IP محلي يُربك استخدام المواقع الحكومية والخدمات المصرفية.

ويعلّق قطايا على هذه النقطة قائلاً: "المستخدم قد يُسجل وكأنه في دولة أجنبية، ما يعيق دخوله إلى خدمات إلكترونية حساسة تتطلب تواجده داخل لبنان. هذه مشكلة جوهرية في الاستخدامات المهنية والرسمية".

الكلفة عائق أمام التوسع الشعبي
كلفة تجهيز نظام ستارلينك تتراوح بين 350 و600 دولار، أما الاشتراك الشهري فيبدأ من 80 دولاراً، وقد يتخطى الـ120 في بعض الحالات. في بلد كلبنان، حيث لا يتجاوز متوسط دخل الفرد الشهري الـ150 دولاراً في العديد من المناطق، تبدو هذه الأرقام غير قابلة للتطبيق على نطاق واسع.

ويرى قطايا أن "ستارلينك قد تناسب أصحاب الأعمال أو المغتربين في القرى النائية، لكنها ليست حلاً عاماً. الشبكات المحلية تبقى، رغم تراجع أدائها، أكثر واقعية من حيث الكلفة والنطاق وسهولة الدعم".

البُعد السيادي: مَن يملك البوابة الرقمية؟
ورغم أن المشروع يُقدَّم على أنه تطور تقني، إلا أن قطايا ينبه إلى مخاطره الاستراتيجية، مشيراً إلى أن "اعتماد أي دولة على بنى تحتية خارج سيادتها، خصوصاً في قطاع حساس كالإنترنت، يضع الأمن الرقمي في مهب الريح". ويتابع: "علينا أن ننظم دخول هذه الشبكات من خلال تشريعات واضحة تحفظ السيادة الرقمية، وتحدد مجالات استخدامها: الطوارئ، المناطق النائية، أو الخدمات البحرية والجوية. وهذا ما فعلته دول مثل فرنسا والهند بنجاح".
 

فرصة مشروطة
لا يعد إدخال "ستارلينك" إلى لبنان حدثاً عادياً، ولا يجب التعامل معه بخفة أو على أنه عصا سحرية. إنها فرصة لتحسين التغطية الرقمية في مناطق تعاني التهميش، لكنها لا تعفي الدولة من واجبها الأساسي: إصلاح البنية التحتية القائمة، وضمان سيادة قطاع الاتصالات، ووضع سياسات رقمية تحمي الأمن القومي وتؤسس لاقتصاد رقمي متين.

ويقول قطايا: "لا يمكن أن نتحدث عن ازدهار اقتصادي في ظل غياب الأمن والطرق والكهرباء، حتى لو توافر لنا إنترنت بسرعة الضوء".