ست ساعات بمتاهات "النافعة": كابوس امتحان السواقة ورخصتها

في شهر شباط من العام 2020 ارتبطت بعض الأسماء في "مصلحة سير الأوزاعي" بملف اختلاسات وهدر ​للمال​ العام، ولم يتغير الواقع. فمنذ أيام قليلة تم توقيف رئيس قسم النافعة بالأوزاعي، وموظفة معه، بجرم تزوير دفاتر السوق، الأمر الذي يُعيد فتح ملف النافعة وامتحانات القيادة من جديد.

 

توقيفات في نافعة الأوزاعي

في الأشهر الماضية أقفلت مصلحة إدارة السير أبوابها كباقي مؤسسات وإدارات الدولة لوقت طويل جعلت المعاملات تتكدّس، ومصالح المواطنين تتوقف، وصفقات السماسرة تتقدّم، ففي كل الإدارات، وليس فقط إدارة السير فُتح باب "الدليفري"، حيث يمكن إنهاء أي معاملة رغم الإقفال، بالسعر المناسب.

 

في نافعة الأوزاعي، جرب البعض العودة بعقارب الساعة إلى ما قبل عقود، عندما كان يتفاخر المواطن بوصول دفتر القيادة إلى باب منزله، من دون تكبّد عناء التوجه إلى المصلحة، وإجراء الامتحان، والانتظار الى حين طباعة دفتره. مقابل بضع مئات من الدولارات، كان يمكن الحصول على رخصة القيادة من مصلحة الأوزاعي عبر أشخاص معينين تم توقيف أبرزهم، وإخراجه من "غروب الواتساب" الذي يضمه إلى جانب نظرائه في المصلحة، وتعيين بديل عنه، حتى قبل انتهاء التحقيقات، مع الإشارة هنا إلى أن هذه الرخصة لا تكون مسجلة على النظام كما ينبغي، ولا يمكن اكتشاف الأمر سوى عند الحضور لتجديد الرخصة، وهو ما يجري اليوم مع مواطنين كثُر عند التجديد، بسبب الفوضى التي كانت قائمة سابقاً.

 

الامتحان.. بـ"الفيتاس" العادي

قررت مصلحة إدارة السير فتح أبوابها الثلاثاء والأربعاء من كل أسبوع لتسيير الأعمال، وبدأت تنهال طلبات تسجيل السيارات وغيرها من المعاملات، وأبرزها طلبات الحصول على رخص القيادة.

 

بدأ تعيين المواعيد عبر المكاتب العاملة في "النافعة"، وقُسّمت المواعيد في النبطية مثلاً على قسمين، الأول صباحي يبدأ عند السادسة، والثاني قبل الظهر يبدأ عند الساعة 11 أو 12، حسب الزحمة.

 

وصلت جنى (إسم مستعار) إلى مصلحة السير في النبطية الساعة السادسة والنصف صباحاً لتتدرّب على قيادة السيارة التي ستخضع للامتحان فيها، وهي سيارة صغيرة لونها أرزق، إنما ليس ذلك ما يميّزها، بل "الفيتاس العادي" أي ناقل الحركة اليدوي.

 

تقود جنى سيارة "أوتوماتيك" منذ أشهر، في مناطق الضاحية التي يمكن القول أنها أصعب مكان للسواقة في لبنان، لكنها لا تعلم شيئاً عن الفيتاس العادي، وكيفية عمله، ولا تعلم أصلأ لماذا يوجد ثلاث "دعسات" تحت المقود، لكن القانون يفرض إجراء الامتحان في هذا النوع من السيارات.

 

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن السيارات هذه ليست ككل السيارات التي تعمل بناقل يدوي، فهي معدّلة لكي لا يُطفىء محركها بسهولة، ورغم ذلك تعثّرت تجربة أحد الشبان الذين غلب توترهم على صبرهم، ولم يتمكن من إبقاء المحرك شغالاً أغلب وقت الامتحان.

 

تقول جنى عبر "المدن": "أخبروني عن التجربة لكن خوضها هو أمر مختلف تماماً، فمجرد الشعور أن أحداً ما سيراقبني يجعلني أتوتر، فكيف إذا كنت أقود هذا النوع من السيارات للمرة الأولى".

 

شعور جنى تعيشه النسبة الأكبر من الممتحنين الذين يحملون معهم سؤالاً أساسياً، "هل يمكن أن استعمل سيارتي أو سيارة من معي في الامتحان"؟

 

قانون قديم

حسب أحد المسؤولين في "النافعة"، فإن القانون ينص على هذه المسألة، لذلك تأخذ اللجنة التي تُجري الاختبار بالاعتبار التوتر الناجم عن قيادة سيارة بناقل حركة يدويّ، مشيراً عبر "المدن" إلى أن المطلوب تغيير القانون، وهو ما يجب العمل عليه سريعاً لمواكبة التطور على هذا الصعيد، والانتقال إلى عالم "مدارس القيادة" المتبع في أغلب دول العالم.

 

عند السادسة صباحاً تبدأ التدريبات، ثم عند الثامنة صباحاً يبدأ الامتحان. مجموعات من 4 ممتحَنين كل مرة، حيث ينبغي على طالب الرخصة أن يقود السيارة بخطّ مستقيم، ثم ينعطف يميناً، ثم يركن السيارة بين ستة أعمدة ليخرج منها ويقود إلى الخلف عائداً إلى خطّ البداية، محافظاً على موقع السيارة ضمن الخطوط المرسومة، وهنا تنتهي المرحلة الأولى من الامتحان علماً أن الاصطدام بالعمود يعني الرسوب حتماً، بينما لمس الخطوط يجعل الطالب يخسر نقاطاً.

 

لا يلمس طالب الرخصة دواسة الوقود لتسير السيارة، بل يكفيه أن يرفع قدمه قليلاً عن دواسة "الدبرياج"، لكن إن رفعها أكثر من اللازم ينطفىء المحرّك. كل هذه العبارات سمعتها جنى ومن معها للمرة الاولى، حتى إن إحداهنّ، وتُدعى مريم، حضرت إلى النافعة بسيارتها الهيونداي المسجلة بإسم والدها، ركنتها وتوجهت إلى مكان التدريبات، ورغم ذلك عانت بالقيادة، حسب تعبيرها عبر "المدن".

 

زحمة وملفات والانتظار الطويل

لا يوجد نظام واحد لسير الامتحان، الذي ينقسم إلى جزء تطبيقي، وآخر نظري يتضمن الإجابة عن مجموعة من الأسئلة على جهاز الحاسوب. فمصطفى على سبيل المثال أنهى امتحانه النظري على الكمبيوتر عند الثامنة صباحاً، وجلس ينتظر الامتحان التطبيقي الذي لن يبدأ قبل الظهر، وبحال حالفه الحظ فإنه يتمكن من الحصول على الرخصة في اليوم نفسه، لأن موظفي "المالية" قد يغادرون قبل دوامهم، وربما يقررون فجأة عدم الحضور في اليوم التالي.

 

يقول مصطفى عبر "المدن": "جلست انتظر بعد الامتحان الذين يضمّ 30 سؤالاً يجب الإجابة بنجاح عن 24 منها، والذي يجري في غرفة مجهزة بكاميرات مراقبة، وانهيت التدريب، وعلينا انتظار اللجنة ورئيسها، أي رئيس القسم في نافعة النبطية".

 

لم تكن الزحمة الموجودة في مبنى النافعة عادية. فالكل، من مواطنين ومكاتب، يرغب بإنهاء معاملاته بعد فترات طويلة من الانتظار. ورئيس القسم هو المعني بالتوقيع على كل أنواع المعاملات، وفي الوقت نفسه هو رئيس اللجنة الفاحصة، الذي عليه أن يكون حاضراً عند إجراء الاختبارات التطبيقية. وهذا ما يجعل أوقات الانتظار غير محدّدة، خصوصاً أن رئيس القسم بات يتشدّد، بعد حادثة الأوزاعي، بشكل صارم في كل الملفات، ويتأكد من كل الاوراق، وكأنه لا يثق بأحد حوله، لكي لا يقع أي خطأ يمكن أن يطال مركزه.

 

في هذا السياق يُشير المسؤول في النافعة إلى أن العمل لمدة يومين يجعل الحال هكذا، إلى جانب عدم اعتماد فكرة التخصص بالمهام. معتبراً أن الحل يجب أن ينطلق من فكرة تخصيص يوم محدد لرخص السوق فقط، يمكن عندها خدمة أكبر عدد ممكن من المواطنين بطريقة سريعة وسليمة.

 

امتحان شكليّ وضرورة التطوير

في أغلب الدول المتقدمة بات يتم الاعتماد على مدارس للقيادة، والامتحان يتم بعد نهاية الدروس، في شوارع المدينة، وهذا ربما ما يجب فعله في لبنان بعد تطوير النظام والقانون، واعتماد الرخصة مع النقاط، عندها فقط يمكن القول أن الحائز على رخصة سوق يستحقها فعلاً ويخشى عليها من مخالفة قوانين السير. حتى ذلك الحين، يبقى الامتحان شكلياً، وسلامة السائقين متروكة للقدر بظل غياب القوانين ومن يسهر على تطبيقها.