سجال معمل سلعاتا يخفي وراءه مخالفة للحكومة وتهريبة لفريق باسيل

انشغل الرأي العام في الأسابيع الماضية بموضوع سلعاتا وما اذا كانت الحكومة ملتزمة بإنشاء معمل انتاج للكهرباء في هذا الموقع تطبيقا لخطة الكهرباء، وعاد الكلام عن استملاكات واختلط به موضوع محطات التغويز الذي لا علاقة له بالقرار الذي اتخذته الحكومة. لكن الواقع ان هذا السجال أخفى وراءه تخلي الحكومة عن التزامها بالشق الأساسي في الخطة المتعلق بإجراء مناقصات شفافة عبر إدارة المناقصات الذي أعطى فريقا سياسيا ممثلا بوزير الطاقة (ريمون غجر) وكالة مفتوحة لتركيب من يراه مناسبًا من الشركات والحلول من دون مقاربة واضحة.

 

وفي التفاصيل، اوضح مصدر متابع للملف ان هذا الموضوع اثير بعدما تقدمت عدة شركات بعروض لإنشاء معمل انتاج للطاقة تتراوح قدرته بين ٦٠٠ ميغاوات و ١٠٠٠ ميغاوات وذلك في موقع واحد. فاختارت الحكومة ان يكون هذا الموقع في الزهراني بما ان الشبكة جاهزة هناك، ومن ثم استكمال تنفيذ الخطة في المواقع الأخرى. تم تظهير الأمر وكأن الحكومة تخلت عن موقع سلعاتا المصنف مسيحي مقابل موقع الزهراني الشيعي بعدما وافقت في ٢٠١٧ على حل لمعمل دير عمار السني.

وقال المصدر عبر وكالة "أخبار اليوم"، صوّر للرأي العام ان رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل عبر قنواته وأدواته وتأثير القصر، ضغط على  الحكومة فاستعاد الالتزام بخطة الكهرباء لا سيما موقع سلعاتا البتروني بالرغم من ان أي قرار لم يصدر عن الحكومة بالتخلي عنه أصلا.

لكن لماذا هذه الزوبعة في الفنجان؟

حدد المصدر الاتي:

أولا:  لأن احدهم بحاجه لانتصارات سياسية على حساب الحكومة التي تجهد لتصور نفسها انها لا تنصاع لرغبة الفرقاء الذين شكلوها وبأنها تعتمد بمقاربة مختلفة.

ثانيا:  لان باسيل يتأرجح بين تصوير نفسه وكأنه لا يتمتع بسلطة على الحكومة وهو خارجها، وبين ان يبرهن لجمهوره انه هو من يدير زمام الأمور في سبيل المحافظة على ما تبقى من ولاءات من أصحاب رؤوس الأموال والطامحين للمراكز، فنراه تارة يسوق ان تياره خارج الحكومة وطورا يهدد بالانسحاب منها أو يوجه قراراتها عبر المستشارين المزروعين أو الوزراء الموكلين.

ثالثًا: فان هذه الزوبعة التي بظاهرها هي للدفاع عن خطة الكهرباء التي التزمت بها الحكومة، بمضمونها أخفت مخالفة جسيمة لما التزمت به هذه الحكومة في بيانها الوزاري تجاه هذه الخطة. فخطة الكهرباء لا تتجزأ وهي أقرت في مجلس الوزراء السابق وأكدت عليها الحكومة الحالية في بيانها الوزاري وهي تتضمن بوضوح التقيد بالقوانين والأنظمة المرعية الإجراء، لا سيما قانون الشراكة مع القطاع الخاص والقانون ١٢٩/٢٠١٩ الذي يحدد أصول تلزيم معامل الإنتاج للقطاع الخاص بموجب مناقصات تجري لدى إدارة المناقصات حيث تحترم أحكام قانون المحاسبة العمومية.

نسف المعمل الاهم!

ورأى المصدر انه في خضم هذه الزوبعة، اتخذ مجلس الوزراء قرارا بتكليف وزير الطاقة بالتفاوض المباشر مع شركات ابدت اهتمامها بإنشاء معمل كهرباء من دون دفتر شروط أو تأمين شروط المنافسة والمواصفات التي تمكن المقارنة بالمثل.

وسأل: كيف يمكن مقارنة الأسعار والمواصفات التي تختلف بين شركة وأخرى؟ هذه المقاربة تنسف العامل الأهم في خطة الكهرباء وهو المناقصات بحسب الأصول، وهذا أهم بكثير من قضية تحديد المواقع. اضافة الى ان هذه المفاوضات صوّرت وكأنها من دولة الى دولة، علمًا أن مذكرة التفاهم التي أقرها مجلس الوزراء هي للتفاوض بين الوزير وشركات خاصة مع احتمال تأمين بعض الدول ضمانات لتمويل جزء من الكلفة.

وتابع المصدر: كما وضعت بعض الشركات شروطًا واضحة على مهل التنفيذ التي تصل الى ٣٠ شهر تقريبًا من تاريخ تأمين التمويل وليس التعاقد، بدلالة على أن التمويل قد يستغرق وقتا طويلا كما حصل في معمل دير عمار الذي ما زال ينتظر التمويل منذ عام ٢٠١٧.

واشار الى ان متابعة بعض السفراء للملف ليس تفاوضًا بين دولة وأخرى بل هو ببساطة مساهمة في تسويق شركات بلادهم كما يحصل في حالات عدة، اضافة لاهتمام بلادهم بمساعدة لبنان،  والامر بالتالي ليس تفاوضًا بين دولة وأخرى الذي يقود الى معاهدات يفاوض فيها رئيس الجمهورية بحسب الدستور وليس الوزير.

لذلك، اوضح المصدر ان الحكومة تخالف التزامها بالخطة من ناحية تطبيق قانون المحاسبة العمومية والسير بدفتر شروط في ادارة المناقصات في مخالفة فادحة لبيانها الوزاري، اضافة الى عملية تضليل للرأي العام من خلال إلهائه بإشكالية سياسية لزوم ما لا يلزم تظهر مظلومية سرعان ما تتحول لاسترداد للمكتسبات الطائفية والمناطقية، تخفي وراءها لعبة العودة الى المربع الأول بنسف معايير الشفافية في المقاربة وتكريس الوضع المؤقت- الدائم في الكهرباء.

هل هذا يدل على الاصلاح؟!

وبهذا، ختم المصدر، تكون الحكومة الحالية أعادت ملف الكهرباء الى الوضع الذي كان عليه قبل الحكومة السابقة والتي توصلت بعد جهود كبيرة الى صيغة اصلاحية من خلال الخطة التي أقرتها.

فهل هذا التصرف يدل عن حكومة فعلا اصلاحية؟ وكيف لحكومة ان تبرهن للمجتمع الدولي جديتها بالإصلاح وهي عندما تتخذ قرارات تكون بعيدة كل البعد عما هو مطلوب إما من ناحية تطبيق قانون المحاسبة العمومية أو ايقاف نهج المحاصصة في التعيينات وصولًا إلى استقلالية قراراتها عن الذين أتوا بها.