سجناء رومية بلا دولة: حالات مروعة بتفشّي الأمراض الخطيرة

مجدداً، تتعالى الأصوات من خلف قضبان سجن رومية المركزي، وعنوانها هذه المرة استغاثة إنسانية بوضع حدٍ لتفشي الأمراض المعدية، وتحديدًا الجلدية. وهي تعكس حجم انحلال المنظومة الرعائية للنزلاء، ولا يجدون أمامهم سوى القرع بقوة على الأبواب الحديد، تعبيرًا عن الغضب من تجاهلهم. 

 

أمراض جرثومية

وفي مشهد مؤسف، انتشرت صور وفيديوهات يظهر فيها اللبناني أحمد الحلبي في رومية مصابًا بطفرة جلدية مروعة تستدعي عزله ونقله سريعًا إلى المستشفى. وتقول والدة السجين أحمد لـ"المدن" أن ابنها تم نقله إلى المستشفى على نفقة عائلته بعد تدهور حالته الصحية، وبقائه لأكثر من أربعة أيام بحرارة ناهزت 40 درجة. 

 

حالة هذا السجين، وما سبقها وتبعها من تفش للطفرات الجلدية وارتفاع حرارة عدد من السجناء، سببها وفق شهادة أحدهم لـ"المدن"، غياب شبه كلي للمعقمات وعدم رش المبيدات وسط انتشار غير مسبوق للحشرات في الباحات وداخل غرف بعض السجناء، ناهيك عن تلوث المياه ووجود فئران وجرذان ميتة داخل بعض الآبار، وفق شهادتهم. 

 

هذا الواقع المأساوي، تؤكده نائبة رئيس جمعية لجان أهالي الموقوفين رائدة الصلح لـ"المدن"، وهم يتبلغون طوال الوقت شكاوى من أهالي موقوفين ينقلون قصص معاناتهم الصحية بالأمراض المعدية. وتقول: "ثمة بطء غير مسبوق بالاستجابة للحالات المرضية الطارئة، إلى أن يتدخل الأهالي ويضغطون لنقل أبنائهم إلى المستشفيات على نفقتهم الشخصية".

 

وتذكر الصلح أن ما يفاقم ظاهرة الأمراض المعدية، هي أزمة الاكتظاظ كعامل معزز لسرعة تفشيها من سجين لآخر وبين الغرف وفي الباحات المشتركة. وتضيف: "ثمة حالات موثقة بالصور لبلوغ بعض النزلاء مرحلة متقدمة من الالتهابات من دون أن تبادر إدارة السجن للتحرك سريعًا". 

 

وفي وقت سابق، نفت مصادر أمنية في رومية ما كانت تصفه بمزاعم السجناء الذين يضغطون برأيها للخروج من السجن بأي ثمن، من دون أن تنفي تراجع القدرة على تقديم الخدمات نفسها. علمًا أن كل الشهادات والصور ومحادثات الأهالي مع أبنائهم، تؤكد أن وضع السجون في لبنان بلغ مرحلة تتنافى مع حقوق السجناء الإنسانية والرعائية.

 

تلكؤ رسمي

ويأتي تدهور وضع السجون بعد نحو شهر على تقديم وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي اقتراح القانون المقدم بشأن تخفيف السنة السجنية لكافة الجرائم، لعرضه على مجلس النواب. في حين، لم يناقش البرلمان هذا الاقتراح، ومن المفترض أن يتم ذلك بالجلسة العامة الأسبوع المقبل، وسط ترجيحات أن لا يمر بسلاسة. 

 

وجاء تحرك مولوي حينها كرد فعل بعد تسجيل نحو 3 حالات وفاة بأسبوع واحد في رومية. وحينها، ربط ذوو أحد السجناء وفاته أنها كنتيجة لتدهور وضعه الصحي بسبب تلوث المياه ومرضه الجلدي. 

 

ومع مواصلة معظم قضاة لبنان الاعتكاف، يعبر السجناء والأهالي عن امتعاضهم الشديد من شلل المحاكم في لبنان، لا سيما أن نحو 79% من نزلاء السجون اللبنانية من غير المحكومين، وفق أرقام مولوي، الذي يقول أيضًا أن 43% من السجناء في لبنان أجانب، وأن الأمر يضاعف الضغط على وزارة الداخلية.

 

ويوجد في لبنان ثلاثة سجون مركزية: رومية وزحلة وطرابلس، إضافة إلى 22 سجناً معظمها عبارة عن نظارات ومراكز توقيف احتياطي، وتضم جميعها 8 آلاف سجين. ورومية وحده، يضم نحو 3700 سجين بينما قدرته الاستيعابية تبلغ 1500، أي بأكثر من ضعفي قدرته الاستيعابية. وقبل الأزمة الاقتصادية، كانت الدولة ممثلة بالداخلية تتولى رعاية النزلاء صحياً، خلافًا لواقعهم الحالي، حيث يتكبد ذووهم تكاليف باهظة بالدولار لتغطية نفقات دخولهم المستشفيات وإمدادهم بالدواء. 

 

ويتضمن اقتراح المولوي تخفيض السنة السجنية لمرة واحدة من 9 إلى 6 أشهر على أن لا تشمل المحكومين بالمؤبد والإعدام. وأقر حينها بأن السجون تشكو من ثلاث أزمات: الاكتظاظ والغذاء والطبابة. 

 

ووسط تدمير نفسي ممنهج للسجناء، بدل العمل على إعادة تأهيل المحكومين للخروج بوضع سوي (بحالة مثالية)، تقول رائد الصلح: "نناشد جميع النواب ضرورة التصويت على هذا الاقتراح، لأنه بداية الحل وسيجنب لبنان من تفاقم الكارثة وانفجارها داخل السجون".