سجن رومية المركزي نسخة لـ «غوانتانامو ثاني»... قهر نفسي ومجاعة بانتظار الموت!

كتبت ندى عبد الرزاق في "الديار":

لم يكن ينقص السجناء في لبنان الى جانب حرمانهم من ابسط حقوقهم البديهية التي تتمثل بمياه نظيفة، الغذاء والطبابة، حتى لوّح 7 متعهدين بالتوقف كليا عن تسليم السلع الغذائية التي تضم الالبان، الاجبان والبيض، اللحوم والدواجن بما في ذلك الخضروات. الامر الذي ينذر بمجاعة تشمل الالاف منهم، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المستشرسة التي يعاني منها الكثير من عائلات هؤلاء ما يعني عدم قدرتهم على تأمين المواد الغذائية لأولادهم حتى وان كانت بكميات قليلة، وفي كلتا الحالتين السجناء يقاسون الامرّين ولا عين ترى او اذن تسمع!

 

وما يجري داخل السجون اللبنانية لطالما ارتبط بمفهوم الدونية من الذل والتعذيب النفسي قبل الجسدي في ظل الظروف القاهرة التي يعيشها السجناء قسرا وتخلو من ابسط المقومات المطلوبة للعيش ولا مقومات!

 

 

فالتدهور الاقتصادي والمعيشي والحياتي دفع السجناء لمواجهة هذه الازمات التي يرزح تحت جمرها المواطن خارج الاسوار، لكن في ظروف قاسية اضعافا مضاعفة، إذ قاسوا ازمة شح المياه الى جانب عدم نظافتها، وغياب التعقيم وأدوات التنظيف حتى البعض شبه رومية بسجن غوانتانامو لجهة المعاناة والتعذيب النفسي. علاوة على كل ما تقدم الخوف من تفشي الامراض جراء المياه المتعكّرة.

 

بالموازاة، نصّ الإعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة 25 منه وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بالمادة 11 ان «لكل الافراد المحرومين من حريتهم الحق في مستوى معيشي مناسب، بما في ذلك ما يكفي من الغذاء والماء الصالح للشرب والمسكن والملبس والفراش». وهذا بعيد كل البعد عن الواقع الذي يعيشه السجناء في لبنان.

 

وفي هذا السياق، لا بد من الإشادة بالدور الذي لعبته إدارة سجن رومية المركزي خلال جائحة كورونا الذي تمثل بالجدية والجو السليم ولكن ما لبثت ان فلتت الأمور لتذهب باتجاه كارثة اقل ما تنبئ به انفجارا حقيقيا سيطال الجميع بما فيهم المسؤولين السياسيين المعنيين بأمن وشأن السجناء.

 

وفي هذا الإطار حكى النزيل «م»، « شاكيا عن تبدل لون المياه الى الأحمر القاتم، ما اثار مخاوف السجناء وخشيتهم منها خاصة وان البيئة التي يرزحون فيها تشكل أرضية خصبة لانتشار كل أنواع البكتيريا والفيروسات.

 

وفي ملاحقة للمستجدات المتعلقة بسجن رومية المركزي أفشي النزيل «م» الأوضاع داخل السجن بالقول، «ان الازمة تشتد وطأتها علينا، لجهة الغذاء والدواء والمياه النظيفة لا سيما ان لون مياه الشفة تحول الى اللون الأحمر».

 

على ماذا يدل اللون الأحمر في المياه ؟

 

في الواقع يتحول لون المياه من الطبيعي الى الأحمر نتيجة لتحول غير عادي، حيث تمتلئ بالبراعم الموسمية لنوع من أنواع البكتيريا حمراء اللون TRICHODESMIUM ERYTHRAEUM والتي تتسبب عند موتها تحول لون المياه الزرقاء المخضرة الى الأحمر وبعض التقارير التي تهتم في مجال صحة المياه لفتت الى ان سبب تبدل لون المياه الى الأحمر هو سكب مواد كيميائية فيه لا تخلو من التلوث وتحدث نتيجة زيادة الطحالب السامة وتؤدي الى وفيات في الكائنات.

في سياق متصل يحدث احمرار المياه عندما تكثر «السوطيّات الدوّارة» لأنها تخضع لأحوال معينة في آن واحد. وتشمل هذه الحال تغييرا غير عادي، ودرجات حرارة مثلى للنمو يمكن من خلالها للإنزيم التضاعف عندها، ومقدار من المواد المغذية في المياه التي يمكن ان تساهم في تكاثر السوطيّات الدوّارة نتيجة كميات كبيرة من النفايات الصناعية والبشرية الموجودة في المياه.

 

فما هي هذه السوطيّات

يطلق عليها اسم دواميات السياط والاسم العلمي DINOFLAGELLATA هي فوق شريحة من الطلائعيات السناخية وتنتمي الى الطحالب النارية PYRROPHYTA والتي تعد من الطلائعيات الشبيهة بالنباتات وتسمى أيضا بالطحالب الدوارة.

 

بعض أنواع السوطيات الدوارة تُطلق في الماء مواد سامة وتقتل بحسب معدلاتها وقد تؤدي الى التسمم ويعرف باسم SAXITOXIN وهو كناية عن ملح قابل للذوبان في الماء يؤذي الجهاز العصبي عند الانسان، ولهذا السبب يصنّف انه توكسين عصبي.

في سياق متصل، تقول دائرة المعارف البريطانية الجديدة ان «التوكسينات التي تطلق في الماء قد تهيّج التنفس عند الانسان.

 

علاجها

لم يكتشف بعد علاج للتسمم الناتج من احمرار المياه في حال وقع، غير ان بعض إجراءات الطوارئ المتبعة تلاقي نسبة من النجاح. ويمكن ان تزال التوكسينات المتعلقة باحمرار المياه من معدة المريض بحمله على التقيؤ. او بغسل معدة المصاب لإزالة السموم بواسطة أنبوب يدخل اليها. وقد يحتاج الى التنفس الاصطناعي ويكون ضروريا أحيانا.

 

الى جانب كارثة المياه تكشفت مأساة أخرى بحسب النزيل «م» الذي أكد لـ «الديار» ان إدارة السجن بدأت بتقليص اعداد ارغفة الخبز من 5 أرغفة الى رغيف ونصف على مدار اليوم.

 

ولفت النزيل «م»، «الى ان 9 مكينات من الهواتف معطلة ولا يوجد غير واحدة متوفرة لجميع نزلاء الطوابق الامر الذي نشر الذعر بين السجناء لعدم تمكنهم من التواصل مع ذويهم وطلب «م» من مدير عام اوجيرو المهندس عماد كريدية متابعة الامر لإصلاح المكينات.

كما علمت «الديار» ان السجين ع. غ قد تعرض لبتر أصابعه في مصنع السجن ما استدعى نقله الى المستشفى بعد مرور حوالي الساعتين حيث رفضت مستشفى الحياة استقباله فنقل الى مستشفى الحريري وتمت معالجته على نفقة ذويه.

 

كارثة لا نهائية

مأساة السجناء لا تقف عند حدود الحرمان من الغذاء والطبابة والنظافة وابسط المقومات البديهية للإنسان بل تأجيل محاكماتهم والتسريع بها سيكون خشبة الخلاص لهؤلاء. إضافة الى توفير الظروف المناسبة لإنهاء محكوميتهم. فالأمر لا يقتصر على تهديد امن هؤلاء الغذائي او غياب التقديمات الطبية بما في ذلك غياب النظافة، بل طال نظافة المياه التي يشربونها ويستخدمونها للاستحمام او الطعام.

 

الصرخات لم تعد كافية

الانين الذي يطلق من داخل السجن من النزلاء ومن خارجه عن طريق المؤسسات الاهلية لم يعد ينفع بشيء والامر يتطور دراماتيكيا باتجاه الأسوأ وسينفجر في لحظة التخلّي لان الانهيار الحاصل مرتبط بانحلال الدولة وتصدّع مؤسساتها وعجزها عن القيام بأبسط الأمور وبحسب مصدر أمنى ان 4 من المتعهدين الذين يقدمون الغذاء للسجون ستنتهي عقودهم المبرمة في 4 نيسان، وان هؤلاء لا رغبة لهم بتجديدها او تسليم السلع.

 

وفي هذا السياق تحدثت مصادر متابعة لملف السجون، ان وزير المال وافق على تحويل سلفة لقوى الامن الداخلي، لتغطية مستحقات موردي سجن رومية المركزي، وسجون طرابلس وزحلة.

والسؤال في ظل دولرة السلع والمواد الغذائية هل يقبل الموّردين ام سنشهد كارثة غذائية، صحية شهودها رجال السياسة جميعهم!