سجن رومية... قنبلة موقوتة

من جديد، يتصدّر سجن رومية  المشهد الحقوقي والقضائي في لبنان، وسط تدهور متسارع في الظروف المعيشية والإنسانية، لا سيما في المبنى «ب» الذي بات نموذجاً مصغّراً لأزمة نظام السجون برمّته: اكتظاظ، محاكمات مؤجّلة، غياب التأهيل واستفحال المعاناة خلف الجدران العالية.

مصدر أمني موثوق في سجن رومية كشف لـ «نداء الوطن» أن القدرة الاستيعابية القصوى للسجن لا تتعدى 2400 سجين، في حين يبلغ عدد المحتجزين نحو 6000، بينهم 88 % من الموقوفين الذين لم تصدر بحقهم أحكام بعد، ما يُشكّل قنبلة موقوتة قانونياً وإنسانياً.

ورداً على ما يُتداول بشأن تفشي المخدرات داخل السجون، أكد أن سجن رومية «ممسوك»، وأن جميع وسائل التهريب التي يلجأ إليها بعض السجناء يتم كشفها والتعامل معها فوراً، مشدداً على وجود محاسبة فورية لأي تقصير، وعلى متابعة دقيقة للزيارات التي يستغلها البعض لتهريب المواد الممنوعة بطرق مبتكرة.

وفي خطوة تهدف إلى تحسين ظروف الأحداث الموقوفين، كشف المصدر عن قرب افتتاح مركز رعاية وتأهيل نهاية الشهر الجاري، بتمويل من مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب (UNOTC)، على أن يضم صفوفاً للتدريس والتدريب على الكمبيوتر، في مبنى مقدم من قوى الأمن الداخلي.

الشيخ مرعي: مظلومية مزمنة

وفي حديث لـ «نداء الوطن»، قال الشيخ طارق مرعي، الموقوف السابق في المبنى «ب»: «هناك موقوفون بلا محاكمات لسنوات، وواقع صحي متدهور، وزنازين مزدحمة لا تراعي الحدّ الأدنى من الكرامة الإنسانية». «نحن نطالب بإرادة سياسية وقضائية لإنهاء هذا الملف. العفو العام أو مراجعة الأحكام ليست ترفاً بل ضرورة».

بلال البقّار: إعدام بلا مراجعة

السجين بلال البقار، المحكوم والمؤسس السابق لإحدى المجموعات الإسلامية، تحدّث لـ «نداء الوطن» من داخل رومية قائلاً: «صدرت بحقّنا أحكام بالمؤبّد والإعدام منذ سنوات، ولم تُراجع رغم تغيّر المعطيات وأشار إلى «غلاء فاحش في الأسعار داخل السجن، حيث تُباع المواد بثلاثة أضعاف سعرها، فيما يتحمل السجناء كلفة الدواء والماء والخبز. بعض الأهالي ينتظرون أكثر من عشر ساعات لإذن زيارة». ويختم بنداء مؤثر: «نحن أخطأنا وندفع الثمن، لكن لماذا يُعاقب أبناؤنا؟

وزيرا الداخلية والعدل في تنسيق مستمر

بالتوازي مع ذلك، تشهد العلاقة بين وزارتي الداخلية والعدل تنسيقاً متصاعداً لمحاولة السيطرة على الانفلات داخل السجون. وأكد وزير العدل عادل نصار، بعد اجتماع لجنة حقوق الإنسان النيابية، أن الوزارة تعمل بالتعاون مع وزارة الداخلية لمعالجة الاكتظاظ في السجون، وقد تم اتخاذ إجراءات لتفعيل المحكمة في سجن رومية، مع توقع فتحها مجدداً خلال أسبوعين إلى ثلاثة. وأشار إلى أنه من المتوقع أن تشمل هذه الإجراءات تسريع المحاكمات، وتحسين الشروط الأمنية، وتسهيل وصول المحامين والقضاة إلى المحكمة.

من جهة أخرى، لفت النائب ميشال موسى إلى أن الاجتماعات السابقة لم تحقق تقدماً في حل مشاكل السجون، مشدداً على أهمية تسريع المحاكمات وتفعيل محكمة رومية. وأضاف أن الحلول يجب أن تشمل كلّاً من وزارة العدل ووزارة الداخلية، مشيراً إلى أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح مع الوزير الجديد.

الواضح أن سجن رومية لم يعد يتحمل المزيد. وتتقاطع  صرخات النزلاء، المحكومين والموقوفين، عند نقطة واحدة: العدالة المعلّقة. فهل تكون الأشهر المقبلة بداية إصلاح جدّي؟