سحر بعلبك

غريب ذلك الشعور الذي ينتاب من يدخل قلعة بعلبك قبل دقائق قليلة من انطلاق حفلات المهرجان. في تلك اللحظات تشعر وكأن الهياكل والأعمدة تتراقص وتتمايل فرحًا وكأن "ساكن العالي" كان يدرك أنه ذات يوم ستولد الموسيقى على هذه العتبات وستقف فيروز لتسلّم الأجيال الآتية حب بعلبك ومهرجاناتها.

ليل الثامن من تموز، وبعد غياب الجمهور عن القلعة لمدة سنتين بسبب الجائحة، "رجعت ليالي بعلبك" بأمسية للفنانة سميّة بعلبكي التي استعادت ربيرتوارًا غنيًا يعبق بأصالة الماضي العريق الذي كُتب على أدراج جوبيتر في سنوات العز .

الحفل افتتح بأغنية "يا خيل بالليل اشتدي" للشحرورة صباح من مسرحية "دواليب الهوا" للاخوين رحباني التي عرضت في مهرجانات بعلبك الدولية في ستينيات القرن الماضي، ومن ثم توالت الاغنيات للعمالقة وديع الصافي ونصري شمس الدين وصباح. كما صفق الجمهور طويلا للقصيدة التي نظمها الشاعر الكبير طلال حيدر ولحنها قائد الفرقة الموسيقية لبنان بعلبكي وأدتها بروعة سمية بعلبكي. اما الختام فكان كلثوميًا بامتياز لأغنية هذه ليلتي التي كتبها الشاعر اللبناني جورج جرداق.

ولكن بعيدًا عن التفاصيل الفنية، لا بد من التوقف عن نقطة اساسية وهي الانجاز الكبير الذي استطاعت مهرجانات بعلبك الدولية القيام به وهو بكل بساطة احياء المهرجانات هذا العام في ظل أزمة اقتصادية تجرف معها كل شيء وتأكل يباس الوطن وخضاره.

كما لا بد من التوقف عند الوفاء الكبير لجمهور مهرجانات بعلبك الدولية الذي وبالرغم من كل شيء قرّر الصعود الى بعلبك والتصفيق للفن والابداع ومؤكدا على قرار التحدي الثقافي لكي تبقى مهرجانات بعلبك سفيرة لحضارة عمرها ستة الاف سنة.

وبناء على ما تقدم، فإن مهرجانات بعلبك الدولية ليست مهرجانا عابرا كغيره من الاحتفاليات التي تقام في المناطق اللبنانية كافة، بل انه قلب الفن اللبناني الذي يختزن الذاكرة الجماعية للبنانيين والذي لا يشبه غيره من المهرجانات حتى لو تشابهت البرامج في بعض الأحيان.

مهرجانات بعلبك الدولية كانت وستبقى تلك المرآة التي تعكس صورة الوطن وذلك الرابط الذي يجمعنا بتاريخنا العريق وحاضرنا الموجع ومستقبلنا المشرق ان شاء الله.

وفي الختام يبقى الشكر الكبير لرئيسة لجنة مهرجانات بعلبك الدولية السيدة نايلة دوفريج التي تعمل بصمت كبير ونكاد لا نسمع ذلك الصوت الا بعد كل نجاح كبير كالذي حصل بالامس وعندها يكون صوت العمل والابداع مدويا على مساحة كل الوطن.

كما الشكر لكل من يعمل وراء الكواليس من اعضاء اللجنة الى الاعلام الذي يواكب بحب هذه الاحتفالية كما في كل عام.

ورح نرجع اكيد ع دراج بعلبك.

بيار البايع