سد فجوة الطاقة في لبنان: بين الغاز والطاقات المتجددة !

ملخص عن تقرير للوري هايتايان نشرته مبادرة الإصلاح العربي – ترجمة وتحرير الذكاء الاصطناعي

بعد أكثر من عقد ونصف على إقرار قانون النفط البحري، ما زال لبنان ينتظر اكتشاف غازه الطبيعي. فبين الأزمات السياسية والمالية والحروب المتتالية، لم ينجح أي من مشاريع التنقيب في تحقيق نتائج إيجابية، لتبقى البلاد غارقة في العتمة، فيما يلمع الأمل فقط من على أسطح المنازل، حيث انتشرت الألواح الشمسية كرمزٍ لمبادرة المواطنين في مواجهة الانهيار.

ورغم الفشل في اكتشاف الغاز في البلوكين 4 و9، فإن اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل عام 2022 أعاد بعض الحيوية إلى هذا الملف، وفتح الباب أمام احتمالات جديدة، خصوصاً مع اهتمام دول إقليمية كقطر بإحياء الاستثمار في القطاع الطاقوي اللبناني. إلا أن السؤال الجوهري يبقى: هل يجب على لبنان أن يواصل الرهان على الغاز، أم أن مستقبله بات في الطاقة المتجددة؟

الغاز كوقود انتقالي

تؤكد هايتايان أن الغاز ما زال يحتفظ بأهميته العالمية رغم التحول نحو الطاقة النظيفة، إذ يُتوقع أن يرتفع الطلب عليه بنسبة 32% حتى عام 2050، مدفوعاً بالنمو الصناعي في آسيا وبجهود دول الشرق الأوسط لتثبيت موقعها كمصدر رئيسي للطاقة. في المقابل، تواجه بيروت منافسة قوية من مصر وإسرائيل وقبرص، ما يعني أن أي اكتشاف متأخر سيكون أقل جدوى اقتصادية.

من هنا، يُفترض أن يتعامل لبنان مع الغاز كـ"وقود انتقالي"، لا كخطة خلاص دائمة. ويمكن أن يساعد تطوير هذا القطاع على تأمين الكهرباء، شرط أن يقترن بإصلاحات مؤسساتية وشفافية في العقود، واستقطاب شركات متوسطة الحجم قادرة على المجازفة، مثل «إيني» و«سوكار».

الطاقة المتجددة: أمل من رحم الأزمة

انهار قطاع الكهرباء الرسمي، لكن اللبنانيين أطلقوا ثورة طاقوية صامتة. ففي غضون سنوات قليلة، تجاوزت القدرة المركبة من الطاقة الشمسية الألف ميغاواط، أغلبها من مبادرات فردية خارج الشبكة العامة. ورغم غياب مشاريع الرياح أو المحطات الكبرى، أثبتت التجربة أن المجتمع مستعد للتحول نحو الطاقة النظيفة، إذا توفرت بيئة داعمة وتمويل ميسر.

التحول إلى الطاقة المتجددة لا يحمل فقط بعداً بيئياً، بل اقتصادياً أيضاً. فهذه المشاريع تقلّل من كلفة استيراد المحروقات، وتوفر طاقة ثابتة بأسعار متوقعة، وتجذب تمويلاً دولياً عبر صناديق المناخ والاتحاد الأوروبي. أما الاعتماد الطويل على الغاز المستورد، فيبقي لبنان عرضة لتقلبات الأسواق العالمية.

العرض القطري: فرصة أم فخ؟

في صيف 2025، عرضت قطر بناء محطة كهرباء تعمل بالغاز بقدرة تصل إلى 700 ميغاواط، بتمويل مشترك من شركة «قطر للطاقة» وصندوق قطر للتنمية، مقابل اتفاق طويل الأمد مع مؤسسة كهرباء لبنان. ورغم أهمية العرض في ظل العجز المزمن في الإنتاج، تحذر هايتايان من مخاطره المحتملة، إن لم يكن جزءاً من رؤية شاملة توازن بين الغاز والطاقة المتجددة.

الصفقة، كما ترى الباحثة، يجب أن تكون شفافة بالكامل، وأن تترافق مع مشاريع موازية للطاقة النظيفة، مع رقابة مستقلة على الأسعار والأثر البيئي، كي لا يتحول الغاز إلى قيد جديد يعطل التحول الطاقوي.

لبنان والربط الإقليمي

في حين تنخرط دول الجوار في مشاريع طاقة واتصال ضخمة مثل «الممر الاقتصادي الهندي–الشرق الأوسط–أوروبا» و«مشروع طريق التنمية العراقي»، يبقى لبنان شبه معزول. لكن التطورات الإقليمية، خصوصاً التغير السياسي في سوريا، تفتح فرصاً جديدة للربط عبر خط الغاز العربي أو مشاريع الربط الكهربائي مع قبرص والأردن ومصر.

إن انخراط لبنان في هذه المبادرات لن يوفّر له الطاقة فحسب، بل سيعيد دمجه في النظام الاقتصادي الإقليمي.

رؤية للمستقبل

تخلص هايتايان إلى أن لبنان يحتاج إلى استراتيجية مزدوجة:

غازٌ مرحلي لتخفيف أزماته الفورية، وطاقة متجددة مستدامة لبناء أمن طاقوي حقيقي.

كما تدعو إلى إصلاحات عاجلة في الحوكمة، وتشجيع الشراكات الإقليمية، والانفتاح على التمويل الأخضر.
فطريق الإنقاذ لا يمر عبر حقل غاز محتمل، بل عبر قرار سياسي يعيد لبنان إلى خريطة الطاقة النظيفة في شرق المتوسط.