المصدر: النهار
الكاتب: اسكندر خشاشو
الثلاثاء 31 كانون الاول 2024 07:45:56
أبرزت الحرب الأخيرة بين إسرائيل و"حزب الله" هشاشة بعض التشكيلات التي أنشئت لأهداف داخلية أو طائفية تحت عباءة "حزب الله"، لإحداث اختراقات أو تغييرات ضمن البيئات غير المؤيدة للحزب.
ومن هذه التشكيلات ما عرف بـ"سرايا المقاومة" التي ظهرت عام 1997، عندما أطلقها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، بعد استقباله حشوداً معزّية بنجله هادي، ضمّت وفوداً من كلّ الطوائف، وهي، بحسب المعلن، تتيح لكلّ لبناني مهما تكن هويته السياسية أو الطائفية أو إمكاناته المادية والعلميّة، التطوّع العسكري ضمن تشكيلاتها، ولا تشترط على المنتسب إليها تبنّي إيديولوجيا "حزب الله"، سواء السياسية أو العسكرية أو الاجتماعية.
تصدرت "السرايا" الواجهة مجددا في الحرب السورية، مع التقدّم الذي حققه الإسلام السياسي في البلدان العربية، وفي ذروة الانقسام الشيعي - السني. يومها، نيطت بهذه المجموعة أدوار عديدة، منها الحضور على الحدود، وفي المناطق التي ليس فيها فصائل عسكرية للحزب، وفق ما يعرف عنها رسمياً. لكنها بحسب المعارضين للحزب، كانت ذات أدوار أخرى، تجلّت في اختراق البيئات الطائفية المختلفة غير الموالية له، وخصوصاً البيئة السنيّة.
من الواضح أن عمل هذه المجموعات يتغيّر بتغيُّر أجندة الحزب الداخليّة ومقتضيات العمل الأمني. فبعد أحداث 7 أيار، بدأ يكبر دورها المحلي في مناطقها، حيث كانت تسيطر من دون استدعاء مقاتلين من الحزب من بيئة مختلفة، فتخطّت فكرة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في اتجاه تشكيل مجموعات عسكريّة أو شبه عسكرية تُنفّذ انتشاراً واسعاً ومدروساً في الداخل اللبناني. وأصبحت تنتشر في مفاصل أساسية في الداخل، وتحديداً في أحياء من بيروت، وفي المدن والبلدات ذات الموقع الإستراتيجي، أو تلك التي يشكّل موقعها الجغرافي عقدة مواصلات، وتُمثل شرياناً حيوياً لـ"حزب الله"، كالمناطق الحدودية في عكار، أو طريق بعلبك -الجنوب، أو طريق المصنع، أو المناطق التي تربط بيروت بالجنوب، حيث يُلاحظ الوجود الكبير لـ"سرايا المقاومة".
عام 2013، استعمل "حزب الله" راية "السرايا" في المعركة التي قادها ضد الحركة السياسية - العسكرية التي أنشأها أحمد الأسير. ومن بعدها، عاد اسم "السرايا" ليبرز في عدد كبير من الإشكالات في المناطق التي لا يتمتع فيها بنفوذ عسكري مباشر، ممّا دفع وزير الداخلية آنذاك نهاد المشنوق (عام 2016) إلى وصفها بأنها سرايا "الاحتلال" و"الفتنة"، فيما أطلق عليها في مناطق مختلفة تعبير "سرايا الزعران"، وهو الاسم الذي لا يزال يتردّد حتى الآن على ألسنة المعارضين للحزب.
في السنوات الأخيرة لم يذكر اسم "السرايا" إلا في إشكالات واغتيالات كأحداث خلدة أو اغتيال شيخ في عكار، وعادت للتراجع حضوريا بعد خطوات تقشفية مالية من الحزب من جهة واكتشافه تأثيرها الهامشي بعد سنوات طويلة من الدعم الكبير، من جهة أخرى.
ومنذ بداية "حرب الإسناد"، ذكرت "سرايا المقاومة" مرتين، الأولى في تشرين الأول (أكتوبر) 2023 عندما أعلن "حزب الله" عن سقوط شخصين من آل عبد العال من حلتا- العرقوب نتيجة غارة إسرائيلية، ومرة أخرى في تموز (يوليو) 2024 يوم أصدر الحزب بيانا باسمها زاعما أنها أطلقت صواريخ على أحد المواقع الإسرائيلية في مزارع شبعا، لتعود وتختفي كلياً على الرغم من الحرب الموسعة التي شنتها إسرائيل في أيلول (سبتمبر).
خلال الحرب وقع عدد من الحوادث بين "السرايا" وسكان القرى الجنوبية، وجرى إبعاد بعض العناصر تحت الضغط من القرى خوفا من استهداف البلدات. وفي هذا الإطار، علمت "النهار" أن الإشكالات استمرت بعد الحرب وخصوصاً في قرى العرقوب التي نشطت فيها هذه المجموعات، وجرى منع بعضها من إعادة رفع رايتها مجددا في القرى.
إلى ذلك، كشفت مصادر أهلية في قرى العرقوب أن أعداداً ممن كانوا منتسبين إلى هذه التشكيلات أعلنوا ابتعادهم وكانوا من الأوائل الذين تركوا هذه القرى وابتعدوا بعد توسّع الحرب، بما يؤكد أن الهدف من انضمامهم لا يمت إلى المقاومة أو محاربة إسرائيل.
وما صمد بعد حرب إسرائيل، أتت الأحداث السورية للإجهاز عليه، وخصوصاً في مناطق الشمال وبيروت وبعد عودة النفس إلى هذه البيئات وضعف "حزب الله" وانشغاله عن حمايتها كما كان يجري في السابق، فوجد عناصر هذه التشكيلات أنفسهم محاصرين ضمن بيئة تكنّ لهم العداء، وبدأت مطالبات من الانتقام منهم ومن أدوارهم خلال السنوات، إضافة إلى توقف الدعم المادي والرواتب الشهرية التي كان يدفعها الحزب لهؤلاء، ما جعل أغلبيتهم الساحقة تتبرأ من هذا الانتماء.
وحتى اليوم، من غير المعلوم إذا كان الحزب يريد الحفاظ على هذا التشكيل، وخصوصاً أنه أضحى هامشياً وغير مؤثر، بالإضافة إلى أن أولوياته أصبحت في مكان آخر تجعل الاستثمار بمجموعات مماثلة فاشلا، وهو ما دفع أحد المقربين من الحزب إلى التصريح: "يبدو أن السرايا ستكون من ضحايا الحرب".