سردية "الانتصار" تُسهّل إجراءات وقف النار

سردية "الانتصار" التي أخذها كثر على مسؤولي "حزب الله"، والتي تعاكس الواقع الذي لمسه اللبنانيون والخارج على حد سواء، بما يناقضها كليا ليس على مستوى ما أصاب الحزب فحسب بل على مستوى ما أصاب لبنان ككل واللبنانيين من كل الطوائف، هذه السردية يعتقد البعض أنها للمّ شمل البيئة الشيعية وعدم سقوطها في الإحباط. تُضاف إليها في شكل واضح الرسالة إلى الداخل، خصوصا من أجل عدم استضعاف الحزب أو "محاكمته" على مغامرته العسكرية وتداعياتها الكارثية على كل المستويات.

سارع الرئيس نبيه بري إلى الالتفاف على هذه النقطة بالذات بكلمة قال فيها إن "اللحظة ليست لمحاكمة مرحلة، ولا الرقص فوق الدماء. ولا لتجاوز التضحيات الجسام، الغالية جداُ. اللحظة هي امتحان لكل لبناني، للشيعة قبل أي لبناني آخر"، متعهدا بالذهاب إلى انتخاب رئيس للجمهورية سريعا. وقد وجّه الدعوة لهذه الغاية في 9 كانون الثاني المقبل، علما أن التوقعات كانت أن يُنتخب الرئيس وتؤلف الحكومة قبل نهاية السنة الجارية، وفي أقصى حد قبل تسلم دونالد ترامب منصبه. إلا أن سردية "الانتصار" ترتب على الحزب - إذا صح أن اتفاق وقف النار الذي صاغ بنوده رئيس مجلس النواب نبيه بري مكلفا من الحزب وليس أي أحد آخر بمن فيهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، يعبّر عن "انتصار"- ترتّب وجوب العمل على تنفيذه بكل مندرجاته.

والواقع أن ذلك يساعده في "تبليع" مناصريه وبيئته إجراءات كان خطابه قبل الشهرين الأخيرين من الحرب على نقيضها كليا، ولا سيما في ما يتعلق بالتراجع إلى شمال الليطاني، ناهيك بتفكيك بنيته التحتية هناك، فيما توغلت إسرائيل في القرى الجنوبية التي تمثل رمزية كبيرة في منطق المقاومة لدى الحزب، وتستمر فيها راهنا، أو أيضا على نقيض الاستمرار في إسناد غزة وربط مصير لبنان بوقف النار فيها، فيما الحزب بات أمام تحديات كبيرة جدا.

وقد دحضت إسرائيل سرديته المتعلقة بالردع أو توازن الرعب أو قواعد الاشتباك، على رغم ترسانته الضخمة من الأسلحة، وبات يواجه عبر إضعافه عسكريا فرصة لبننة خياراته وإعطاء فرصة للدولة اللبنانية التي ساهم بقوة في إضعافها على مدى العقود الماضية، إحياء لدويلته وتمكينا لها من السيطرة على الدولة في لبنان.

ومع أن هذا الأمر يتعلق بإيران في الدرجة الأولى، فإن تمنيات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بتحول الهدنة في لبنان إلى وقف دائم للنار كما قال، هي رهن بوقف إيران استخدام لبنان ساحة لها من أجل توسيع نفوذها، أو لمواجهة إسرائيل عبره. وهذه النقطة تقلق اللبنانيين لناحية التزام الحزب مندرجات القرار 1701 وفق ما التزمت الحكومة، ومن ضمنها الحزب، في اجتماعها للموافقة على اتفاق وقف النار، أو كما التزمت قيادة الجيش في الحديث عن تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته. وهذا أمر مرهون أيضا بإرادة الحزب منع توظيفه وبيئته، وتاليا لبنان، في مصالح إيرانية أو خارجية. لكن الأمر ليس مؤكدا إطلاقا على رغم انتظار متغيرات كبيرة في الشرق الأوسط تبعا للمفاوضات التي تطمح إليها إيران مع واشنطن حول ملفها النووي وسواه.

والحال أن الشكوك المشروعة للبنانيين تتصل بما إذا كانت هذه الحرب هي الأخيرة، وتاليا نهاية جلجلة لبنان على طريق دفع الأثمان عن الآخرين أو بسببهم ولمصالحهم.

بعض المراهنين على فرصة استعادة لبنان قدرته كدولة، يعلقون آمالا كبيرة على مسار سياسي قد يضطر فيه الحزب إلى إبداء مرونة أكثر بكثير من السابق، مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأليف حكومة يلحّ الخارج ولا سيما الذي رعى الوصول إلى اتفاق وقف النار على أن تكون بنود هذا الاتفاق هي برنامج عملهما المقبل، فضلا عن الإصلاحات المطلوبة. وهذا الاتفاق هو نفسه سيكون جوهر أي بيان وزاري لأي حكومة، بما يفترض التخلي عن أدبيات البيانات الوزارية الأخرى، ولا سيما في ثلاثية الحزب "الجيش والشعب والمقاومة"، لأن حق الدفاع عن النفس ضمنه الاتفاق، وهو حق للبنان وليس لطرف معين. فظروف ما بعد 2006 هي غير ظروف ما بعد الحرب، ولبنان سيضطر إلى التزام الكثير من أدبيات الدولة الفعلية لا الوهمية، إذا شاء تشجيع الدول الأجنبية على مساعدته في إعادة الإعمار. وهذه الورقة أكثر من يحتاج إليها الحزب، من أجل مساعدة بيئته على استعادة ما خسرته.