سقطت أسباب النزوح... فهل يعود السوريّون إلى بلادهم؟

تنعكس المتغيرات الجذرية في سوريا على لبنان في نواحٍ عدة، ولكن ما يهمّ بيروت راهناً هو عودة النازحين السوريين إلى ديارهم بعد انتفاء أسباب نزوحهم. فهل سيعود هؤلاء؟ وماذا تقول مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عن عودتهم؟

سقطت أسباب النزوح السوري مع سقوط النظام، ولم تعد من ذريعة أمنية للنازحين السوريين في لبنان للعودة إلى ديارهم. لكن هل سُجّلت عودة لافتة لهؤلاء إلى المحافظات السورية؟

بيد أن الأهم من ذلك هو سقوط أسباب تريّث الحكومة اللبنانية في التواصل المباشر مع دمشق لإعادة النازحين، ويُنتظر أن يشهد الملف إعادة تزخيم مغايرة للفترة السابقة التي كانت محكومة بحسابات سياسية واقتصادية.

أعداد العائدين متواضعة

 كان من المتوقع أن يتكرر مشهد عودة النازحين السوريين من تركيا على الحدود بين لبنان وسوريا، فعلى الحدود بين تركيا وسوريا كانت أرتال السيارات التي تقلّ النازحين العائدين إلى بلادهم لا تُحصى ولا تُعد، أما من الحدود اللبنانية السورية فكانت العودة متواضعة جداً واقتصرت بحسب بعض التقديرات على ما لا يتعدى 12 ألفاً منذ سقوط النظام.

والمفارقة أن عدد النازحين السوريين الذين غادروا لبنان خلال العدوان الإسرائيلي ناهز الـ400 ألف فيما تراجع العدد بنسبة كبيرة جداً بعد تسلّم المعارضة السورية الحكم في دمشق.

أما المفارقة الثانية فكانت في موجة نزوح جديدة من سوريا ولا سيما من محافظة حمص، وكذلك من منطقة السيدة زينب في دمشق، وأحدث ذلك فوضى على معبر المصنع دفعت بوزير الداخلية والبلديات بسام مولوي إلى الإيعاز للمديرية العامة للأمن العام لاتخاذ الإجراءات الفورية اللازمة لمنع محاولات دخول السوريين بطريقة غير شرعية، مع العلم بأن المعبر الوحيد الذي لا يزال آمناً وصالحاً بين لبنان وسوريا هو معبر المصنع بعد إقفال المعابر الشرعية في الشمال والبقاع بسبب الغارات الإسرائيلية المتكررة عليها وتعذر عبور السيارات وحتى المارة.

أما الإشكالية الثانية فتكمن في عدم وجود عناصر من الأمن العام السوري على الجانب السوري منذ ثلاثة أيام.

خلال فترة النزوح السوري إلى لبنان تقدّم مفوضية اللاجئين المساعدات للنازحين ولمن يستوفون صفة اللاجئ، وفي الوقت عينه كانت تشدد على أن عودتهم إلى ديارهم في سوريا يجب أن تكون طوعية وآمنة. ذلك المبدأ انطلق من أن الكثير من النازحين لا يريدون العودة إلى بلادهم خشية ملاحقتهم من النظام السوري حينها، وأيضاً بسبب المعارك في بعض المناطق السورية بين قوات النظام وفصائل المعارضة.

لكن تلك الأسباب زالت بعد سقوط النظام ودخول فصائل المعارضة المسلحة إلى دمشق وبالتالي توقف المعارك نهائياً، ما يمهّد الطريق لعودة النازحين.

وفي سياق متصل توضح المتحدثة الرسمية لدى مفوضية اللاجئين في لبنان دلال حرب لـ"النهار" أن "المفوضية تؤكد أن لجميع اللاجئين الحق الأساسي في العودة إلى بلدهم الأصلي في الوقت الذي يختارونه".

فالمبدأ الذي تنطلق منه الفوضية يقوم على أنه "يجب أن تكون جميع عمليات العودة طوعية وكريمة وآمنة". وتؤكد المفوضية "استعدادها لدعم اللاجئين العائدين عندما تسمح الظروف بذلك، مع التشديد على أنه في أوقات عدم اليقين هذه، على اللاجئين أن يُمنحوا المرونة لتقييم الظروف عند العودة، كما من خلال زيارات الذهاب والاطلاع".

ووفق المفوضية، لا تحديد لموعد لعودة النازحين المسجلين لديها ما دام هؤلاء لم يقرروا العودة، ولذلك كان التشديد على العودة الطوعية وهو مصطلح استخدمته المفوضية خلال رحلات العودة التي نظمها الأمن العام اللبناني للنازحين إلى ديارهم.

لكن اليوم تغيّرت الظروف، وما كان سبباً للنزوح لم يعد متوافراً، فالنظام سقط والحرب توقفت وبالتالي لم يعد من سبب لبقاء النازحين في لبنان وخصوصاً أن أعدادهم كبيرة، حيث تؤكد الحكومة أنهم يتجاوزون المليون ونصف المليون نازح، فيما يصل عدد المسجلين لدى المفوضية إلى 700 ألف. وهذا العدد هم لمن يستوفون الشروط لمنحهم صفة لاجئ.

 

وتشير حرب إلى أن "الوضع داخل سوريا لا يزال متغيراً، حيث يحاول العديد من الأشخاص تقييم تأثير التطورات الأخيرة على الوضع داخل البلاد، ومدى أمانه، وما إن كان الوقت مناسباً للعودة أم لا. يجب أن تكون أيّ عودة للاجئين آمنة وطوعية".

بيد أن مفهوم العودة الآمنة في ظلّ المتغيرات المتسارعة التي تشهدها سوريا يبقى مطاطاً وغير محكوم بسقف زمني، عدا أن بعض التقديرات تشير إلى أن الأوضاع في سوريا قد تكون غير مستقرة لفترة غير محددة ولا سيما أنها فترة انتقالية وتغيير جذري في النظام وما يستتبع ذلك من تظهير معالم الحكم الجديد، وسط خشية من تكرار النموذج الليبي في سوريا، ما يعني أن عودة النازحين من لبنان إلى سوريا ليست قريبة.