المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي
الجمعة 13 أيلول 2024 07:31:39
انتهت مسيرة حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، حيث لم تكن الكثير من التكهنات والتحليلات السياسية والإعلامية تتوقع، في مقابل تكهّن آخرين وتوعدهم بأن السجن والمحاسبة في انتظاره.
رجل المراحل الصعبة، والصيغ والهندسات، التي اختلف في توصيفها المؤيدون والمعترضون، ترك موقعه في المصرف المركزي، وذهب إلى تقاعد ظنّه آمناً، بحماية علاقاته الوثقى في الداخل والخارج، وغطاء أنصاره من أهل السلطة والنفوذ في الدولة شركاء العقود الثلاثة التي أمضاها معهم بالتكافل والتوافق على إدارة السياسات النقدية والمصرفية في البلاد.
يوم أصدرت الخزانة الأميركية عقوبات على سلامة، "رجلها" في لبنان، كما اعتادت التقارير الإعلامية وصفه، وشاركتها كندا وبريطانيا، لم يعِ أحد أن اللعبة تغيرت، وأن "الخط الأحمر" الذي كان يزنر سلامة بالأمان والتحصين سقط، وأن المصالح الدولية بالتكافل مع السياسات المحلية، تنتج في غفلة من اطمئنان، تسويات تطيح كل الضمانات والتعهدات و"الصداقات"، لصالح الاستراتيجيات والمصالح الدائمة.
ترك سلامة كرسي الحاكمية، بيد أن الملفات القضائية والتهم المنسوبة إليه لم تتركه، وباتت الاستدعاءات تتوالى، ويواجهها إما بالحضور النادر، أو بمخاصمة الدولة، والدفوع الشكلية. إلى أن حضر منفرداً، دون محاميه، ومتخلياً عن حقه بوجوده، ليفاجأ بمستجدات ومعلومات، سمحت للقاضي حجار بتوقيفه وإحالته على التحقيق المالي، بتهم ارتكابه جرائم "سرقة أموال عامة، والإثراء غير المشروع، وتبييض الأموال، والتهرب الضريبي". فما هي التهم الموجهة إليه بالتفاصيل وما عقوبتها؟
ادعى المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم على الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، بعد إحالة المدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار الملف إليه. ويقوم الملف على خلق سلامة واستخدامه لحساب "الاستشارات" في مصرف لبنان لتحقيق أرباح شخصية وإخفاء عمليات غير مشروعة، فضلاً عن إخفاء بيانات عن شركة "ألفاريز أند مارسال". ويطال التحقيق عملية تحويل 42 مليون دولار من هذا الحساب لحسابات أشخاص كالمحامي ميكي تويني، وابن شقيق رياض سلامة المحامي مروان عيسى الخوري، ثم إلى حساب سلامة نفسه، فيما يبدو من التدقيق أن مصدر هذه الأموال هو شركة "أوبتيموم"، التي كانت تُحوَّل الأموال منها إلى حساب الاستشارات المشار إليه.
وشمل ادعاء إبراهيم موادّ جرمية ليجري التحقيق بشأنها مع سلامة من قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة بلال حلاوي. وتتناول المواد الجرمية المدعى بها اختلاس أموال عامة وسرقة أموال وموجودات مؤسسة حكومية، استناداً الى المواد 359 و360، و363، و638 من قانون العقوبات، ومضمون هذه المواد بالتفصيل هو كالآتي:
–تتعلق المادة 359 من قانون العقوبات باختلاس أموال عامة وهي تنص على عقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة أقلها قيمة الردود على كل موظف اختلس ما وكل إليه أمر إدارته أو جبايته أو صيانته بحكم وظيفته من نقود أو أشياء أخرى للدولة أو لأحد الناس.
– تتعلق المادة 360 بالاختلاس بدسّ كتابات غير صحيحة وهي تجرّم هذا الاختلاس في الفواتير أو الدفاتر أو من خلال تحريف أو إتلاف الحسابات والأوراق أو غيرها من الصكوك وبصورة عامة بأيّ حيلة ترمي الى منع اكتشاف الاختلاس، مع إنزال عقوبة الأشغال الشاقة الموقتة فضلاً عن غرامة أقلها قيمة الردود.
– أما المادة 363 التي طالها الادعاء أيضاً فتتناول الغش في أموال الدولة وهي تعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر الى ثلاث سنوات وبالغرامة من مئتي ألف ليرة الى مليون ليرة، من أوكل إليه بيع أو شراء أو إدارة أموال منقولة أو غير منقولة لحساب الدولة أو لحساب إدارة أو مؤسسة عامة أو هيئة عامة أو مؤسسة ذات منفعة عامة أو تملك الدولة قسماً من أسهمها، فاقترف الغش في أحد هذه الأعمال أو خالف الأحكام التي تسري عليها، إما لجر مغنم ذاتي أو مراعاةً لفريق إضراراً بالمصلحة العامة أو الأموال العمومية، أو ارتكب الخطأ الفادح والجسيم.
– أما المادة 638 فهي تنص على جرم السرقة وتعاقب بالأشغال الشاقة من ثلاث سنوات الى 10 أعوام على السرقة الواقعة على أموال أو موجودات مؤسسة حكومية أو أي مركز أو مكتب لإدارة رسمية أو هيئة عامة.
وكانت هيئة القضايا في وزارة العدل برئاسة القاضية هيلانة إسكندر قد اتخذت صفة الادعاء الشخصي بحق سلامة بتقديمها شکوی مباشرة ضده بموضوع جرائم عدة. والمواد الجرمية التي نسبتها إليه هيئة القضايا، تقوم على جرائم تبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي واستغلال النفوذ، استناداً الى المادة 3 من قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، والمادة 14 من قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع، والمادة الأولى من المرسوم الاشتراعي رقم 156 تاريخ 16 أيلول 1983 حول فرض عقوبات على مخالفة القوانين المالية والتهرب الضريبي والمادة 377 من قانون العقوبات.
وفي التفاصيل:
– تنص المادة 3 من قانون مكافحة تبييض الأموال رقم 44/2015 على معاقبة كل من أقدم أو حاول الإقدام أو حرض أو سهّل أو تدخل أو اشترك في عمليات تبييض أموال بالحبس من ثلاث الى سبع سنوات وبغرامة لا تزيد عن مثلي المبلغ موضوع عملية التبييض.
– تنص المادة 14 من قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع رقم 189/2020 تاريخ 16/10/2020 على معاقبة كل من أقدم على ارتكاب جرم الإثراء غير المشروع، بالاعتقال من ثلاث إلى سبع سنوات وبغرامة تراوح من ثلاثين مرة إلى مئتي مرة الحد الأدنى الرسمي للأجور. وقضى الحكم برد الأموال المكتسبة بطريق الإثراء غير المشروع إلى الجهات المعنية والمتضررة ومصادرتها لمصلحة الخزينة. ويحكم بمصادرة الأموال المملوكة من شخص ثالث بأي شكل كان مع حفظ حقوق الغير إذا كانوا حسني النية.
– تنص المادة 377 من قانون العقوبات في خصوص ادّعاء هيئة القضايا على تشديد العقوبات التي تتناول الموظفين الذين يقدمون بصفتهم المذكورة أو بإساءتهم استعمال السلطة أو النفوذ المستمدين من وظائفهم على ارتكاب أي جريمة كانت، محرضين كانوا أو مشتركين أو متدخلين.
إذن ستُطبَّق هذه المواد على الأفعال المنسوبة الى سلامة وسيبيّن قاضي التحقيق ما إن كان سلامة مرتكباً فعلاً لهذه الجرائم استناداً الى الوقائع ولا سيما فتح "حساب الاستشارات"، وما سبّبه ذلك من اختلاس وسرقة لأموال الدولة والمودعين. وقد حدد القاضي حلاوي جلسة لاستماع الشهود يوم الخميس ومن المتوقع ألا يحضر عدد منهم بداعي أعذار مختلفة، ومن المتوقع أن يحدد حلاوي جلسة ثانية لاستماعهم بعد تكرار دعوتهم.
أما سلامة، فبعد قطع مذكرة توقيف وجاهية بحقه، قد يفضّل المحافظة على سلامته والبقاء موقوفاً، ولكن من الناحية القانونية فهل يعود له أن يطلب إخلاء سبيله وما الإجراء القانوني لذلك؟
توضح المحامية الدكتورة جوديت التيني، أنه "يمكن للوكيل القانوني لسلامة أن يطلب إخلاء سبيله أمام قاضي التحقيق بلال حلاوي وإذا رُفض طلبه يمكنه أن يستأنفه أمام الهيئة الاتهامية التي يعود لها أن تصدّق على قرار حلاوي أو أن تفسخه وتطلق سراح سلامة. وإذا قرر القاضي حلاوي إخلاء سبيل سلامة يوم الخميس، فيمكن حينئذ للمدعي العام المالي أن يستأنف القرار أمام الهيئة الاتهامية، وقد تلجأ الى الاستئناف وكذلك هيئة القضايا".
ويبقى السؤال الأهم: هل يوقف التحقيق مع سلامة في لبنان مجريات الملفات القضائية في الخارج؟ تؤكد التيني "حتماً لا، والأهم هو إبقاء سلامة قيد التوقيف كي تتسنّى للقضاة الأجانب زيارة لبنان، والتحقيق معه في شأن ملفاتهم المَسوقة ضده في الخارج".