سلام في البقاع: فتح الأبواب للشرعية والأمن والإنماء

قد لا تكون زيارة رئيس الحكومة نواف سلام سابقة في سجل رؤساء الحكومات اللبنانية وزياراتهم الى منطقة البقاع، إلا أنها إكتسبت أهميتها في كونها الزيارة الأولى التي تقارب الملفات الأمنية والإنمائية، في منطقة عانت منذ مدة طويلة من غياب الأمن كما الإنماء.

"لا أمن ولا تنمية بالإستنساب، ولا أمن بلا تنمية ولا تنمية بلا أمن". الكلام للرئيس سلام الذي وإن كان لم يحمل مشاريع جاهزة في زيارته الأولى للبقاع مع وزراء الدفاع والداخلية والأشغال العامة الذين رافقوه في جولته، فهو أمل أن تكون له عودة ثانية إليها تحمل معالجات لبعض الملفات التي طرحت، وخصوصا فيما يتعلق بإستكمال أجزاء الأوتوستراد العربي، وإنارة طريق ضهر البيدر، ومعالجة مشكلة تلوث الليطاني والتعديات عليه.

تمنى سلام أيضاً أن يكون صيف المنطقة مزدهراً، خصوصا مع المساعي التي بذلتها الدولة لضبط الحدود وبسط سلطتها، ومع إطلاق مشاريع إنمائية خاصة بالمنطقة، وأبرزها ما يتعلق بزراعة القنب الهندي لأغراض صناعية وصحية، والتي باشرت الحكومة بتشكيل هيئتها الناظمة كما أعلن.

وحول هذه العناوين الأمنية والإنمائية تمحورت معظم محطات زيارة رئيس الحكومة، وكانت البداية من محافظة بعلبك. فتفقد سلام المواقع الحدودية المتقدمة في مركز الشعيبة في جرود بعلبك، قبل ان ينتقل الى مركز بو فارس على الحدود مع سوريا مطلعا على الإجراءات العسكرية والأمنية المتخذة لضبط الحدود وحمايتها ومنع التهريب.

رسائل إلى المجتمع الدولي 
الزيارة الى المعابر غير الشرعية عند هذه الحدود، وإن كانت لإلقاء الضوء على الإجراءات العسكرية المتخذة، فهي كانت مهمة أيضا لإيصال الرسائل الى المجتمع الدولي حول الجهود التي يبذلها لبنان عمليا لضبط حدوده ومنع استخدامها في ارتكابات مخلة بأمن لبنان وأشقائه العرب. وقد أثنى سلام على هذه الجهود "الجبارة" كما قال والتي أثمرت قبل أيام تفكيك أحد معامل الكبتاغون الأساسية على الحدود. لافتا، فيما يتعلق بالمشاكل الناجمة عن تداخل الأراضي والنزاع حولها في بعض المناطق، الى تولي غرفة العمليات المشتركة اللبنانية- السورية التي تأسست بعد اجتماعات جدة، مسألة البحث في تحديد الحدود بين البلدين.

المصنع: مرآة السيادة 
الزيارة الحدودية الثانية التي إكتسبت رمزية خلال جولة سلام في البقاع أيضا، كانت الى معبر لبنان الشرعي في منطقة المصنع بقضاء زحلة. حيث قال رئيس الحكومة أن "معبر المصنع، بصفته منفذًا حيويًا للبقاع ولبنان ككل، يجب أن يُدار وفق أعلى المعايير التقنية والأمنية، لا أن يُترك عرضة للعشوائية أو الاستنسابية" مشددا على كون "المعابر الرسمية هي مرآة السيادة اللبنانية، وأن انتظام العمل فيها – أمنيًا ولوجستيًا – يشكل خط الدفاع الأول عن الاستقرار الداخلي، ويُعد ضرورة حتمية لحماية الاقتصاد الوطني من الممارسات غير الشرعية، التي لطالما استنزفت موارد الدولة وأضعفت ثقة المواطن بها". ومن هنا اعتبر سلام أن "الإصلاح الحقيقي يبدأ باستعادة الدولة الكاملة لإدارة حدودها، وتحويلها إلى بوابات مشرّعة للشرعية والانتظام، لا منفذًا للفوضى والتجاوز." وأعلن في هذا الإطار عن المباشرة بوضع خطة عمل لتحديث أجهزة المراقبة والسكانر على هذه الحدود.

"معجزة" جمع النواب 
من المفارقات التي سجلت خلال زيارة سلام الى منطقة البقاع، أنها سمحت له بأن يجمع نواب المنطقة في صالة واحدة مع محافظي كل من بعلبك بشير خضر والبقاع كمال أبو جوده وقادة الأجهزة الأمنية.

إلا أن الأبرز كان في نجاحه بجمع نواب زحلة تحديدا لأول مرة في قاعة واحدة، خارج مجلس النواب، حيث طرحت مواضيع إنمائية، لم تؤمن سابقا، على رغم أهميتها، أرضية لعمل مشترك بين النواب بصرف النظر عن خصوماتهم السياسية.

وكان الموضوع الأبرز الذي عرض أمام رئيس الحكومة والوزراء المرافقين، موضوع الأوتوستراد العربي وإنارة طريق ضهر البيدر، وقد استمع سلام لشكاوي نواب زحلة وبعلبك المشتركة حول المشاكل التي تحيط بهما، معتبرا أيضا أن موضوع "نفق ضهر البيدر" الذي أعدت له الدراسات يجب تحريكه.

كما حضر في النقاشات موضوع تلوث الليطاني والتعديات على مجراه. وإذا كان الملفان يحملان تراكمات سنوات طويلة من الإهمال والعشوائية في تنفيذ المشاريع، رأى سلام ردا على سؤال أن الحكومة قد لا تكون قادرة على إنجاز كل المشاريع خلال فترة ولايتها التي تنتهي مع انتخاب مجلس نواب جديد، ولكن عليها أقله أن تضع هذه المشاريع على خطة التنفيذ.

وكشف في المقابل عن مشروع وضع على خط التنفيذ من خلال انشاء الهيئة الناظمة لزراعة القنب الهندي، ورأى فيه خطوة مهمة للانتقال الى اقتصاد مبني على الإنماء ويعود بالمنافع على أهل المنطقة." مشددا "على حرص الحكومة على الإنماء المتوازن"

في بعلبك كما في زحلة ترأس سلام اجتماعين لمجلس الامن الفرعي حيث استمع الى مجريات التحضيرات الجارية للإنتخابات البلدية، والتي دعا سلام المواطنين الى المشاركة الكثيفة فيها، على أن "نضمن نحن كحكومة شفافية ونزاهة العملية الانتخابية".

أبعد من الملفات التي طرحها سلام والوزراء المرافقين في مختلف محطات الزيارة، فإن عنوانها يمكن أن يختزل بالترحيب الذي لقيته في مختلف أرجاء المحافظة، وحتى تلك التي كان محرما على الشرعية أن تدوس أرضها، ومن هنا تحديداً تكتسب هذه الزيارة أهميتها، فهي فتحت الأبواب أمام الشرعية، في مسعاها لإستعادة هيبة الدولة وحضورها في هذه المنطقة ومختلف أرجائها.