المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الخميس 11 نيسان 2019 15:09:38
"تعلن المعارضة اللبنانية انطلاق انتفاضة الاستقلال الديموقراطية" والسلمية".
14 عامًا ونيف مرت على الثورة السلمية التي أشعلتها هذه الجملة في نفوس اللبنانيين التواقين إلى الحرية والسيادة والاستقلال. لكن أحدا لا يشك أن تماما كما حفظ التاريخ اللبناني الحديث بين حناياه هذا اليوم المجيد الذي خط بخطابات شجاعة وإرادات لا تعرف إلى الخوف سبيلا، فإنه سيحفظ صورة سمير فرنجية، مفكر الاستقلال الثاني، وصوته الهادئ الهادر في آن معا، يفتح نار المواجهة السلمية الشعبية السيادية ضد الوصاية السورية، من دارة الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط في كليمنصو، محاطا بكبار أبطال الثورة وروادها.
ليس غريبا على سمير فرنجية أن يكون في صلب الرحلة اللبنانية الشاقة نحو وطن سيد حر لا تحكمه الوصايات ولا المشاريع الغريبة عنه وعن أبنائه، هم الذين كبرت أجيال منهم على حلم آمن به فرنجية... ونجح في تحقيقه، مسددا، مع شركائه، على رأسهم جنبلاط والنائب السابق فارس سعيد، على سبيل المثال لا الحصر، ضربة قاضية في مرمى من يتربصون شرا بلبنان، ومن راهنوا طويلا على الخنوع اللبناني أمام الحسابات الضيقة التي لا تحسب لهم... حسابا . لم يخطر في بال هؤلاء أن في لبنان رجالا أبطال وفرسانا مقدامين لا يخشون المواجهة، يعرفون أن الشجاعة ليست دائما مرادفا للعنف وسفك الدماء والاغتيالات وتصفية الحسابات و... الشخصيات المصنفة في خانة الهامات الوطنية الكبيرة. وهنا تماما مكمن الوصية السامية التي تركها فرنجية، الذي شغل مقعدا نيابيا بين عامي 2005 و2009: لا للعنف ونعم للحوار والانفتاح على الآخر وتقبل الاختلاف لما فيه الخير العام.
عقيدة كرسها هذا الفارس السياسي النبيل على مدى سيرته السياسية التي خاضها في موازاة حرب ضروس خاضها ضد مرض عضال فتك بجسمه النحيل على مدى أكثر من ثلاثة عقود، إلى حد حرمان لبنان من حكمة فرنجية التي لا ينفك شريط الأحداث يثبت الحاجة إليها في هذا الزمن الرديء.
ذلك أن سمير فرنجية، سليل العائلة السياسية التي أعطت لبنان كثيرا من الرجالات، لم يشذ عن تاريخه العائلي من حيث كتابة التاريخ. فكما كان والده حميد فرنجية، أحد أبطال استقلال 1943، خط فرنجية الابن الاستقلال الثاني، بعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. على أن أهمية المساهمة القيمة لفرنحية في هذه الثورة التي أعطاها طابعها السلمي تكمن بما لا يرقى إليه شك في نجاحه في تجاوزه انتماءه العائلي واستخلاص العبر من التجارب السياسية التي خاضها المراهق الذي لقب يوما بـ"البيك الأحمر"، الذي ما لبث أن تحول مناضلا خاض "رحلة إلى أقاصي العنف"، وثقها في كتاب حمل العنوان نفسه، وهو الذي عايش مجازرمزيارة والصفرا ، فاختار طريقا آخر للوقوف في وجه السوريين وبطشهم وأساليبهم الدموية الملتوية: النضال في سبيل الوحدة الوطنية والعيش المشترك، بوضفهما الطريق الأقصر إلى الحرية والسيادة والاستقلال و... الحياة، فكانت له المساهمة الكبرى مع جنبلاط والرئيس أمين الجميل والبطريرك التاريخي نصرالله صفير وسعيد في مصالحة الجبل التاريخية، كما في تأسيس لقاء قرنة شهوان، الذي لم تتأخر بكركي في مده بجرعة دعم سياسية يشهد عليها نداء المطارنة الموارنة الشهير عام 2000، لتنطلق رحلة الألف ميل السلمية إلى يوم 14 آذار، الذي لونه السياديون المحتشدون في ساحة الشهداء تحت شمس آذار الحرية، بيياض السلام والوحدة وبدماء حمراء زكية لم يتردد شباب التيار السيادي في الذود عنها.
قد لا يكون الجيل الجديد ممن ناضل سمير فرنجية طويلا لتكون حقوقهم البديهية في وطن يليق بهم وبطموحاتهم، قد أتاح له القدر الاحتكاك بهذا المناضل اللبق والبيك الأنيق الذي رحل منذ عامين على غفلة قدر مباغت احترف اقتناص "الأوادم" من رجالات لبنان. لكن الأكيد أن لوطن الأرز فارسا سار على درب الجلجلة السيادية الطويلة، وسيشهد يوما، من عليائه، قيامة لبنان السلمية غير الدموية، المطبوعة بالايمان، والبعيدة من العنف...