المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الكاتب: جوانا فرحات
الثلاثاء 23 تموز 2024 16:47:55
في الأسبوع الأول على جريمة تفجير المرفأ نزل اللبنانيون ومعهم أهالي ضحايا المرفأ ولم يكن عددهم يتجاوز الـ200 وهم يصرخون بقهر، بغضب مطالبين القضاء بكشف ملابسات هذه الجريمة التي دمرت البشر والحجر.
في الذكرى الأولى صار عدد الضحايا 220 . من جديد نزل الأهالي وصرخوا بدنا الحقيقة. وبقيت هذه الحقيقة قطبة مخفية في أدراج العدالة.
وفي الذكرى الثانية والثالثة وغدا عشية الذكرى الرابعة سينزلون من جديد، رافعين صور ضحاياهم الذين وصل عددهم إلى 229 ضحية عدا عن الضحايا الأحياء الذين ما زالوا يرقدون في غيبوبة في المستشفيات، أو يشحذون قطرة حياة من عيونٍ أطفأها الإنفجار، وسيسألون بغضب أكبر ونقمة وربما ثورة على كل دساتير الأرض..من قتل أولادنا وخطف منا فلذات أكبادنا؟ أين الحقيقة إين العدالة؟ أين القضاء ومن يُسكت مطرقة القضاة النزيهين؟
السؤال نفسه يتكرر والجواب أيضا...لا حقيقة ولا جواب. وكأن عدالة الأرض تراهن على صبر أهالي الضحايا وبقائهم أحياء يرزقون. لكن أما آن الأوان للإعتراف بالحقيقة ولو كانت أكثر مرارة من علقم الكأس الذي شربه أهالي الضحايا؟.
"ما يؤخر استكمال التحقيق في ملف تفجير المرفأ هو عدم تطبيق القوانين من أكثر من جهة". بهذه العبارة يجيب عضو مكتب الإدعاء في نقابة المحامين المحامي يوسف لحود عن السؤال المفترض حول تأخّر القضاء في استكمال الدعوى في ثاني أكبر إنفجار في التاريخ بعد هيروشيما.ويوضح لـ"المركزية" أن العقدة الأساسية تكمن في "التدبير الذي اتخذه النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات بمنع التواصل بين قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار والضابطة العدلية وهذا أمرٌ مخالفٌ للقانون لكنه لا يزال ساري المفعول. هذه هي العرقلة الأساسية وثمة نقاط أخرى لكنها ليست أساسية ومنها عدم استكمال نصاب الهيئة العامة في محكمة التمييز".
إلى السؤال عن الجهات التي أنزلت الستارة عن حقيقة من أحضر كميات نيترات الأمونيوم إلى المرفأ ومن أخفى الأدلة ومن فجّر المرفأ ثمة سؤال أكثر إلحاحا، لماذا لا يزال النائب العام التمييزي بالإنابة القاضي جمال الحجار متمسكا بالصمت حيال ما فعله سلفه القاضي عويدات؟
" القاضي جمال الحجار لم يتخذ حتى اللحظة أي قرار سواء بتأييد أو تعديل أو إلغاء قرار القاضي عويدات". لكن هل ثمة مهلة لفض هذه العقدة وتذليل العقبات؟ ويجيب لحود "القانون واضح وهو يفرض عدم عرقلة أعمال قاضي التحقيق العدلي. وما دامت العرقلة موجودة، وهذا مخالف للقانون، يجب إزالة العرقلة من دون أن تكون هناك مهلة محددة وإلا الجريمة مستمرة".
أربعة أعوام مرت على جريمة تفجير المرفأ ولم يتوصل التحقيق في أسباب الجريمة إلى شيء ولم يخضع المشتبه في مسؤوليتهم الجنائية للمحاسبة، ولم يُحمَّل أحد بتاتًا المسؤولية عن المأساة . فهل ثمة حلول عقلانية وقانونية؟
"الحل يتطلب الحكمة قبل تطبيق القانون لاحقا من قبل كل المراجع القضائية وأهمها قاضي التحقيق العدلي ومدعي عام التمييز. فالحكمة تتعلق بالأسلوب أما الهدف فمرتبط بالقانون".
ويشير لحود بأن "ثمة صلاحيات معينة لا يجوز بتاتا أن يُمنع قاضي التحقيق العدلي من تطبيقها وهي ملاحقة الوزراء ورؤساء الوزراء لأن المادة 70 الدستورية تُتيح له هذا الأمر. أما من لا يحق له ملاحقتهم فهم رئيس الجمهورية بحسب المادة 60 دستور و5 قضاة بحسب المادة 354 من أصول المحاكمات الجزائية وهم على التوالي: رئيس مجلس القضاء الأعلى ومدعي عام التمييز ورئيس مجلس الشورى ورئيس ديوان المحاسبة ورئيس هيئة التفتيش القضائي". ويشدد لحود على ضرورة تطبيق قاضي التحقيق العدلي صلاحياته في مسألة ملاحقة الوزراء ورؤساء الحكومات وعدم التخلي عنها تحت أية ظروف لأنها تعود بالمنفعة على هيبة الدولة وتثبت للوزراء والسياسيين أنهم في دائرة المحاسبة أمام القضاء العدلي مما يؤمن الهيبة لدولة القانون".
مجرد فكفكة العقدة الأساسية المتمثلة بالقرار الإداري غير القانوني "تفرط" باقي العقد لكن ما يجب ذكره "أن هناك مسؤولية كبيرة على الدولة اللبنانية وتتطلب منها الحكمة التي لم تمارسها إلى الآن. وتتوزع هذه المسؤولية على شقين: الأول بعدم اتخاذ الدولة صفة الإدعاء الشخصي أمام قاضي التحقيق العدلي وعدم التحاقها بالدعوى العامة خصوصا أن هناك أضرارا فادحة لحقت بالدولة اللبنانية وممتلكاتها وسمعتها واقتصادها وشعبها جراء الأفعال الجرمية التي ارتكبها المدعى عليه . والشق الثاني يتعلق بعدم إقدام الدولة على محاولة تلقف هذا الملف الوطني الخطير أقله من خلال تخصيص المبالغ التي تحصلها من مرافقها للتعويض على المتضريين لا سيما منهم أهالي الضحايا والجرحى الذين ما زالوا يخضعون للعلاج وذلك بمبالغ محترمة وليس بخسة".
وحدها الحقيقة تعوض على أهالي الضحايا وجرحى تفجير المرفأ أوجاعهم النفسية والجسدية وهذا ثابت وغير قابل للجدل لكن هذه الحقيقة المعلنة في الخفاء قد لا تخرج إلى الضوء أبدا لكنها الحقيقة التي تكشف من فجر المرفأ.
" لا يمكن الإقرار بأية حقيقة تنشر عبر الإعلام أو من خلال مستندات شخصية. الحقيقة المعترف بها هي فقط التي تصدر عبر قرار من قاضي التحقيق العدلي. وهو وحده المخوّل أن يقول من فجر مرفأ بيروت وكيف. عدا ذلك لا نعترف بأي حقيقة" يختم لحود.