المصدر: المدن
الكاتب: منير الربيع
الاثنين 15 كانون الاول 2025 00:26:33
يتعقد المشهد أكثر فأكثر. من استراليا إلى تدمر، مروراً بيانوح. تفرض الأحداث على المنطقة ودولها ضغوطاً أكبر من القدرة على احتمالها. فالعملية التي استهدفت محتفلين يهوداً على أحد الشواطئ الاسترالية، سارعت إسرائيل إلى جانب كل اليمين العالمي لاستثمارها في المزيد من إجراءات التضييق والصراع الذي يخوضه اليمينيون ضد المهاجرين أو ضد أي قضايا لها علاقة بالعرب والمسلمين. كما وضعت إسرائيل هذا الهجوم في خانة معاداة السامية، وهي تريد استمرار مواجهتها، وتناشد العالم الانضمام إليها في ذلك. لكن الأخطر هو البعد السياسي الذي تريد إسرائيل أخذ القضية إليه، سواء من خلال المواقف التي يشير فيها الإسرائيليون إلى أن الهجوم حصل بسبب اعتراف استراليا بالدولة الفلسطينية، أو من خلال التسريبات الأمنية التي حاولت اتهام إيران بالوقوف خلف هذا الهجوم، ما يوحي بمحاولة لتعزيز دفتر الاتهامات بحق طهران، تحضيراً لتوجيه ضربة عسكرية لها. وقد اختار الإسرائيليون لذلك أسلوباً مشابهاً لسيناريو محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن شلومو أرغوف عام 1982 لتبرير اجتياحهم للبنان.
"دعم سريع" من ترامب للشرع
على المستوى الدولي، تريد إسرائيل التعاطي مع الحدث في أستراليا كما تعاطت مع أحداث 7 أكتوبر 2023، وتريد إقناع الولايات المتحدة الأميركية بضرورة التعاطي مع ما جرى بوصفه حدثاً مكملاً أو مشابها لأحداث 11 أيلول 2001. ما يعني ان التداعيات ستكون شاملة على العالم كله، وهو ما ستستغله إسرائيل لاستكمال مشروعها ومخططها في المنطقة، سواء ضد إيران أو ضد سوريا ولبنان. وما من شأنه أن يعزز السردية الإسرائيلية أكثر هو عملية إطلاق نار على جنود أميركيين في مدينة تدمر بالبادية السورية. إنها العملية الأولى التي تستهدف قوات أميركية على الأراضي السورية بشكل مباشر منذ سقوط نظام الأسد. عملية يمكنها أن تغير الكثير من الحسابات لدى الأميركيين والمؤسسات. من الواضح أن ترامب اختار سريعاً منح الدعم لأحمد الشرع وهو ما فعله المبعوث توم باراك أيضاً، من خلال القول إن الاستهداف مشترك لسوريا وأميركا معاً، وأن الشرع غاضب جداً مما حصل.
زعزعة استقرار سوريا
يعني ذلك أن الموقف الأميركي الاستراتيجي لا يزال يريد البناء مع الشرع، ولكن لا يمكن إغفال وجود قوى وشخصيات داخل أميركا تسعى إلى إقناع أميركا بالتخلي عن الشرع والبحث عن شراكات أخرى في سوريا، وهذا ما ستسعى إسرائيل إلى العمل عليه بقوة، من خلال زيادة الحملات ضد الشرع بوصفه إسلامياً ومتطرفاً، إلى جانب مواصلتها العمل على زعزعة الاستقرار الداخلي في سوريا من خلال الاستثمار في الصراعات الداخلية والخلافات التي لم يتم العمل على حلها ومعالجة أسبابها حتى الآن، وأما الاستمرار في تأخر حلّها ومعالجتها فسيؤدي إلى مساوئ أكبر.
الشرع بعد تدمر: تحديات الإدماج
تفرض عملية تدمر على الرئيس السوري أحمد الشرع تحدياً كبيراً، أولها إعادة النظر في كل التشكيلات الأمنية والعسكرية، والعمل على فرز هذه التشكيلات وإخراج المتطرفين منها، كما سيفرض عليه تحدي إعادة التنوع في التشكيلات العسكرية والأمنية لتضم مجموعات من مكونات مختلفة، وهو ما سيبرز مسألة كيفية إدماج مجموعات من قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري الجديد وفي وزارة الداخلية، وهو لا ينحصر عند قسد فقط، إذ لا بد من التوقف عند اجتماع الشرع بوجهاء الساحل ولا سيما من الطائفة العلوية مع تقديم وعد بإطلاق سراح الكثير من الموقوفين، والذين كان منهم من ينتمي إلى الجيش أو المؤسسات الأمنية، مع البحث في إمكانية ضمهم ضمن تشكيلات معينة إلى التشكيلات الجديدة. وفي السياق، لا يمكن إغفال مطالب الكثير من أهالي السويداء الذين يريدون أن يكونوا شركاء في التشكيلات الأمنية وأن تنخرط مجموعات منهم ضمن التشكيلات التابعة للدولة السورية مقابل انتشارهم في المحافظة.
"التنقية" من أفكار التطرف
ستفرض حادثة إطلاق النار في تدمر إعادة تغيير "العقيدة" التي بني عليها الجيش السوري الحالي، أو بالحد الأدنى إخراج من يتبنون أفكاراً متطرفة او المشتبه في توجهاتهم وانتماءاتهم. في الموازاة، هناك جهات عديدة في الداخل السوري ستحاول الاستثمار بما جرى للتصويب على الشرع في مقابل طرح نفسها كبديل عنه للشراكة مع أميركا في سبيل محاربة داعش. هنا لا يمكن إغفال المساعي الإسرائيلية الدائمة لزعزعة استقرار سوريا وإضعاف الشرع وسلطته.
تخريب العلاقة مع واشنطن
بالنسبة إلى سوريا، وبحسب ما يقول مسؤولون سوريون، هم يتوقعون منذ أكثر من أسبوع حصول الكثير من الأحداث التي من شأنها أن تحرج الموقف السوري أمام العالم. فقد أبدى السوريون تخوفاً من حصول عمليات ممنهجة لزعزعة العلاقة مع أميركا في ظل اقتراب إلغاء قانون قيصر. ويعتبر السوريون أن جهات عديدة تسعى إلى تخريب هذا المسار وإقناع الكثير من أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ بعدم التصويت لصالح إلغاء قانون قيصر.
اتفاق شبه نهائي مع سوريا
سبقت استهداف الأميركيين في تدمر، زيارة المبعوث الأميركي توم باراك إلى إسرائيل يوم الإثنين، وفيها سيبحث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إمكان الوصول إلى اتفاق أمني مع دمشق. وبحسب المعلومات، فإن باراك سيعرض على نتنياهو نسخة شبه نهائية من الاتفاق، وسيحاول إقناعه بتوقيعه لدى زيارته إلى الولايات المتحدة ولقائه ترامب نهاية الشهر الجاري، كما أن باراك سيحمل رسالة أساسية لنتنياهو بوجوب عدم تصعيد الحرب لا في سوريا ولا في لبنان ولا ضد إيران في هذه المرحلة لأن واشنطن منشغلة بالملف الفنزويلي.
الضغط على لبنان والجيش
الملف اللبناني لن يكون غائباً عن طاولة نتنياهو وباراك، وسط استمرار إسرائيل مساعيها لتغيير كل الوقائع والظروف اللبنانية بما فيها "عقيدة الجيش اللبناني"، فبعد الضغوط لمنع الجيش من وصف إسرائيل بالعدو، وبعد الوصول إلى مفاوضات مباشرة على مستوى مدني وديبلوماسي، واصلت إسرائيل ضغوطها الفعلية على الجيش لإلزامه بالدخول إلى المنازل وتفتيشها، وهو ما كان يرفضه سابقاً. وما جرى في يانوح كرست إسرائيل من خلاله معادلة دخول الجيش إلى المنازل. فإذا حصل صدام بين الجيش والأهالي، تلجأ إسرائيل إلى التهديد باستهداف المنزل وتدميره.
هجوم سيدني: الاستثمار الكامل
لا بد من انتظار التداعيات الناجمة عن هجوم استراليا. بالتأكيد سينمّي الاتجاهات اليمينية والمتشددة، وهو ما سينعكس تشدداً إسرائيلياً في لبنان وسوريا وفلسطين وإيران. ستسعى تل أبيب إلى دفع واشنطن لتبني خياراتها ووجهات نظرها، وستريد منها زيادة الضغط لأجل تطويع المنطقة أكثر وفق الرؤية التي تريدها إسرائيل وترسمها، إما بجعل الدول تلتزم بما تمليه إسرائيل وإما تهديد هذه الدول بضربها أو تفتيتها أو تصغير كياناتها.