المصدر: الجمهورية
الكاتب: راكيل عتيِّق
السبت 24 تموز 2021 07:39:18
كذلك لن يكون غياب الميثاقية سبباً لتأجيل الاستشارات أو اتجاه عون الى رفض تكليف الشخصية التي لن تحظى بأصوات الكتل الأكبر في طائفة معيّنة. ففي حين يُتداوَل أنّ الرئيس نجيب ميقاتي سيحظى بأصوات النواب الشيعة والسنّة وبعض المسيحيين، فيما أنّه لن يحظى بأصوات أكبر كتلتين مسيحيتين أي «القوات اللبنانية و»التيار الوطني الحر»، إلّا أنّ هذا لن يُشكّل إشكالية ميثاقية، بحسب مصادر القصر الجمهوري فسبق أن حصل الأمر نفسه عند تكليف الرئيس سعد الحريري، بحيث لم يُسمِّه لا تكتل «لبنان القوي» ولا «الجمهورية القوية»، ولا يمكن نكران وجود الأفرقاء والنواب المسيحيين الآخرين، علماً أنّ رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية هو الوحيد الذي أعلن تسمية ميقاتي أو النائب فيصل كرامي.
وتؤكد مصادر رئاسة الجمهورية أنه «لم يحصل أي تواصل بين عون وميقاتي حيال التكليف والتأليف، بل إنّ عون اتصل تقليدياً في يوم عيد الأضحى برؤساء الحكومة السابقين لتهنئتهم بحلول العيد، ومن ضمنهم ميقاتي. لكن الاتصال كان للمعايدة فقط». وتجزم المصادر نفسها أنّ «الرئيس عون سيلتزم نتيجة الاستشارات النيابية وسيكلّف الشخصية التي يسمّيها النواب وسيتعاون معها كائناً من تكن، على أمل الوصول الى تأليف حكومة سريعاً، لأنّ الظرف لا يسمح بأي تأجيل، فقبل الأشهر التسعة الأخيرة كان لبنان في وضع سيئ والآن بات في وضع أسوأ». كذلك، حتى أمس، لم تتبلّغ دوائر القصر الجمهوري من أي نائب اعتذاره عن المشاركة في استشارات التكليف.
عند كلّ استحقاق دستوري، وعدم توافق الأفرقاء السياسيين، تخرج فتاوى دستورية عدة، ومنها اعتبار البعض أنّ رئيس الجمهورية ملزم بإجراء الاستشارات النيابية لكنّه غير ملزم بنتائجها إذا كانت لا تراعي الميثاقية أو لعدم تسمية كتل وازنة أحداً أو لأنّ الشخصية حازت أكثرية ضئيلة، إلّا أنّ عضو لجنة صوغ «اتفاق الطائف» الوزير الأسبق والمرجع الدستوري إدمون رزق، يؤكد أنّ رئيس الجمهورية مُلزم بنتائج الاستشارات النيابية، وبأن يكلّف الشخصية التي تحظى بأكثرية أصوات النواب. كذلك هناك التزام على النواب أن يُسمّوا شخصية لتكليفها التأليف، فيمكنهم أن لا يُسمّوا لكن هذا يُعتبر إخلالاً في الواجب، بحسب رزق.
أمّا بالنسبة الى التأليف ومعضلة عدم توافق رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على صيغة حكومية، ما يؤخّر التأليف لأشهر عدة من دون أن يكون هناك مهلة زمنية لإنجاز الحكومة، مثلما حصل أخيراً طيلة 9 أشهر بين عون والحريري، والخشية من أن يتكرّر السيناريو نفسه بين عون والرئيس المكلف المرتقب، فإنّ رزق يشرح «أنّنا حين كنّا نعدّ هذه الصيغة في اللجنة، كنّا نتحاشى الوصول الى مواجهة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، لذلك نَصّينا على التوافق، بمعنى أن ليس المطلوب مواجهة بين أفرقاء السلطة بل تعاون بين أفرقاء السلطة الواحدة وهي السلطة التنفيذية. لذلك، لا يمكن لأحد القول إنّ رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة مطلق الصلاحية، بل يجب أن يكون هناك تعاون بينهما، انطلاقاً من أنّ المجلس النيابي قرّر إعطاء أكثرية أصواته لشخص حتى يُكلّف وألزمَ رئيس الجمهورية بذلك».
ويذكّر رزق بأنّه اقترح في مؤتمر الطائف عند البحث في هذه المادة، وجوب تحديد مهلة وحَدّاً زمنياً للتأليف بعد التكليف، حينها أجابه الرئيس الراحل صائب سلام: «إنّ رئيس الجمهورية قد يمتنع مرّة بعد أخرى عن الموافقة على التشكيلة التي يقدّمها إليه رئيس الحكومة المكلف في انتظار انقضاء هذه المهلة حتى يكلّف غيره، وهذا يترك مجالاً لرئيس الجمهورية بأن يتحكّم بالرئيس المكلف، بينما إذا بقيت هذه المهلة مفتوحة، تؤلّف الحكومة بالتوافق ولا يصبح لدى رئيس الجمهورية المجال في أن يؤجّل حتى تنقضي المهلة». فردّ رزق: «هل نترك الأمور مفتوحة على غاربها»؟ فأجابه سلام: «كلّ شي مَعقول مقبول».
وفي الخلاصة، يشرح رزق أنّ «رئيس الجمهورية، بحسب الدستور، ملزم بتكليف من حاز أكثرية أصوات النواب، ومن المفترض بالذي حاز هذه الأكثرية أن يقدّم تشكيلة الى رئيس الجمهورية وأن يتوافقا على صيغة وزارية، وإذا كانت هناك عرقلة من رئيس الجمهورية أو ممّن حوله، ففي النتيجة إنّ رئيس الحكومة هو الذي يمثل أمام مجلس النواب، وبالتالي على رئيس الجمهورية أن لا يترك الأمور لأنّه لا يوافق على التشكيلة، وإذا كان هناك سبب دستوري لذلك فليكن، أمّا إذا كان السبب فئوياً وسياسياً ومزاجياً و»هذا يعجبني وذاك لا»، فإنّ الاحتكام يكون لمجلس النواب، فبعد عدم التوافق لفترة زمنية إنّ رئيس الجمهورية مُجبر على أن يوقّع تشكيلة حكومية، إذ بالنتيجة مَن يحتكم لمجلس النواب لينال الثقة لحكومته هو رئيس الحكومة، فيقول رئيس الجمهورية للرئيس المكلف: أنت ألّفتَ هذه الحكومة على مسؤوليتك، ويحتكم الى مجلس النواب. فإمّا يقف المجلس مع رئيس الجمهورية ويحجب الثقة أو يعطي الثقة ويتحمّل رئيس الحكومة والحكومة المسؤولية».
في المحصّلة، يؤكد رزق أنّه «من جهة النصوص، لدينا نظام متكامل وسليم، لكن العلّة في العطل البنيوي في المؤسسات والسلطتين التشريعية والتنفيذية جرّاء عدم أهلية من يتولّى هذه السلطات».
وإذ يعتبر أنّ «كلّ البحث في المواد والتفاصيل الدستورية والقانونية عقيم طالما أنّ الأشخاص غير مؤهّلين لتولّي المسؤوليات ومرجعية البلد غير مؤهّلة لتولّي السلطة»، يدعو الى «العصيان المدني وأن تستمرّ الثورة الشبابية التي بدأت في 17 تشرين الأول 2019 لخلع وتغيير الطواقم المتحكّمة بالبلد، من أعلى القمة الى أخمصها، من دون استثناء».