شبان الجنوب يغرقون بـ"القمار الإلكتروني": عالم أسود تُخفيه المقاهي

في أيار الماضي توفي شاب من بلدة الخيام الجنوبية بحادث سير، وانتشرت صوره على وسائل التواصل، الأمر الذي كان المدخل لاكتشاف "بلاء" خطير يضرب البلدة، فموت الشاب كشف عن وجود سوق مراهنات ضخمة "يلعب" بها الشباب، الذين وصلت ديون بعضهم إلى مستويات خطيرة، أدت إلى إشكالات وإطلاق نار.

أضاء "الموت" على ما هو أسوأ منه، على "لعبة القمار"، أمّ الرذائل كما يصفها البعض. وهي التي باتت تنتشر بشكل كثيف في لبنان، من دون حسيب أو رقيب. فبعد أن كان الراغب في لعب القمار بحاجة إلى التوجه إلى الكازينو سابقاً، أصبح "الكازينو" بمتناول يديه، على الهاتف أو في المقهى المجاور لمنزله في الحيّ!

القمار في الجنوب
أعادت حادثة الشياح الأخيرة، التي استُهدفت فيها أحد مقاهي لعب القمار الإلكتروني في لبنان، تسليط الضوء على هذه الظاهرة الخطيرة التي تنتشر في عدد كبير من المناطق، منها الجنوب اللبناني. فحسب مصادر متابعة، يتواجد في جنوب لبنان عشرات المقاهي التي تُخفي داخلها ألعاب القمار الإلكتروني، وألعاب المراهنات على مباريات كرة القدم وغيرها من الألعاب، مشيرة عبر "المدن" إلى أن اللعب في هذه المراكز سهل للغاية، ولا يستوجب من الزبون سوى شراء "تشريجة" تشبه بطاقة تشريج الهاتف الخلوي، واللعب بواسطتها. وبالتالي، يكون الدفع مسبقاً وسهلاً.

أغلب هذه المقاهي تعمل تحت رعاية الوكلاء الأصيلين في لبنان، وحمايتهم أيضاً، وعددهم لا يزيد عن خمسة. ومن يربح المال يستلم أرباحه من محال محددة يتمركز فيها الوكلاء، وتكون محصنة كالمصارف، مراقبة بالكاميرات ويحرسها مسلحون.

هنا لا نتحدث عن ألعاب القمار "أونلاين"، أي تلك الطاولة التي يلعب عليها أشخاص حقيقيون عبر الانترنت (لعبة البوكر على سبيل المثال)، بل نتحدث بشكل أساسي عن ألعاب يتنافس فيها اللاعب عادة مع ماكينة عبر "سيرفرات" (خوادم) يسيطر عليها الوكلاء الأصيلون في لبنان. ومن أجل ترغيب الشباب باللعب أكثر، وصولاً للإدمان، تكشف المصادر أن الوكيل يتحمل مع الزبائن بعض خسائرهم، علماً أن الخسائر "وهمية"، فالشاب يلعب مقابل "ماكينة"، وعندما يخسر ألف دولار على سبيل المثال، يتحمل الوكيل نصف الخسارة، ما يُعطي أملاً للاعب لمواصلة اللعب وتعويض الخسائر، علماً ان المقامر لديه شعوراً دائماً بالربح أو التعويض.

أرباح خيالية وخسائر
هكذا "خربت" بيوت الكثير من الشبان في الجنوب، تقول المصادر، مشيرة إلى أن هذه الألعاب رفعت نسبة السرقات بين أبناء العائلة الواحدة. كما أنها لم تقتصر على الفئة الشابة، فهناك كبار بالسن أدمنوا هذه الألعاب، وباعوا ممتلكاتهم من أجل تغطية الخسائر. وعادة ما كانت تُفضح المسألة عند انعدام قدرة المديون على تسديد ديونه.

تكشف المصادر عبر "المدن"، أن مداهمة أحد مقاهي القمار في بلدة أنصار الجنوبية كشف عن وجود مبلغ 4 مليارات ليرة هو عبارة عن "غلّة يوم عمل واحد". ويومها كان الدولار حوالى 10 آلاف ليرة. وحسب التحقيقات، تبين أن 90 بالمئة من زبائن المحل هم من الشبان الذين تبلغ أعمارهم أقل من 30 عاماً.

يشكل انتشار هذه الظاهرة خطراً حقيقياً على المجتمع الجنوبي. فبعد ارتفاع نسبة البطالة، ازدادت أعداد المدمنين على هذه الألعاب لرغبتهم بالحصول على المال السريع والسهل. فتكون النتيجة معكوسة. ومواجهة هذه الظاهرة تحتاج إلى تشريعات قانونية أولاً لتجريم هذه الأعمال بطريقة متشددة، وعدم الاكتفاء بالشمع الأحمر لإقفال المحل وغرامة مالية كعقاب على لعب القمار خارج الكازينو. وثانياً، تحتاج إلى مراقبة محال الانترنت والمقاهي وكل ما يُثير الشبهات، لكي لا يقع الشبان فريسة هذا العالم الأسود.

لا يقتصر الأمر على الجنوبيين، فانتشار هذه الظاهرة يطال لبنان، بشبابه وبناته، وعسكره أيضاً، كما تكشف المصادر.