المصدر: المدن
الكاتب: خضر حسان
الاثنين 31 تشرين الأول 2022 16:07:39
انزلق لبنان إلى دائرة توليد الأزمات لنفسها، بفعل رفض الساسة إجراء الإصلاحات الضرورية لمعالجة تداعيات الأزمة المنفجرة في العام 2019. وزادت الضغوط الاقتصادية الدولية وانتشار فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية من صعوبة الإصلاح على المستويين المحلّي والدولي. فالاقتصاد العالمي بدوره يعاني التباطؤ، كما تنذر صعوبة تنشيط الاقتصاد بحصول "صدمات متزامنة". أما الشبح الأكبر، فهو التضخّم الذي لن تنجو منه معظم الاقتصادات، بما فيها لبنان. ووحدها اقتصادات الدول المصدّرة للنفط، ستكون آمنة.
انعكاسات متناقضة
ما يمرّ به الاقتصاد العالمي ليس سهلاً، وبسبب تدهور الأوضاع العالمية، فإن اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ستشهد ارتفاعاً وتقلّباً في أسعار الغذاء والطاقة، وستشتدّ الأوضاع المالية بشكل أسرع وأقوى من المتوقّع، وذلك وفق ما جاء في التقرير الذي نشره صندوق النقد الدولي يوم الاثنين 31 تشرين الأول.
ستُلتَمس تلك المتغيّرات في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات متوسطة ومنخفضة الدخل في المنطقة، ومنها لبنان. ولأن تلك الاقتصادات، ستواجه قيوداً على النفاذ إلى أسواق التمويل، ستصعب عملية المعالجة، وتصبح الحكومات أمام "مفاضلة بين السياسات" التي تتّبعها. وهذه المفاضلة مطلوبة اليوم أكثر من السابق نظراً لحاجة البلدان إلى إبقاء الدين في حدود مستدامة والحفاظ على الاستقرار المالي.
وحدها الدول المصدّرة للنفط ستبقى بمأمن من المتغيّرات السلبية، بفضل اعتمادها على عائدات النفط في بناء هوامش مالية وقائية والمضي قدماً نحو تنفيذ خطط التنويع الاقتصادي.
التضخّم والأمن الغذائي
حافظَ النشاط الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، على تماسكه في النصف الأول من العام 2022، وحققت المنطقة تقدماً كبيراً في استعادة الناتج الضائع من جراء صدمة كوفيد 19، إلا أن معدلات التضخّم ارتفعت بصورة مفاجئة، وانخفضت فرص الحصول على التمويل من الأسواق الخارجية انخفاضاً حاداً بالنسبة للاقتصادات الضعيفة. وعلى الأثر، يتوقّع صندوق النقد تدهور آفاق العام 2023. وسيُدعَم التدهور باستمرار ارتفاع معدّل التضخّم الكلّي خلال العام الجاري إلى 12.1 بالمئة، أي بزيادة قدرها 1.7 نقطة مئوية مقارنة بالعام 2021.
والتضخّم سيتحرَّك صعوداً مع تواصل ارتفاع أسعار الغذاء، لتواجه أسواق البلدان الصاعدة والبلدان المتوسطة الدخل، مخاطر تتعلّق بالأمن الغذائي. أما سياسات المواجهة، فلن تكون كافية وفعّالة. فتجربة دعم الأسعار والإعفاءات الضريبية في تلك البلدان لم تكن مشجّعة، فيما خيار الاستمرار في الحماية الاجتماعية سيكون مكلفاً. ولذلك، فإن دولاً مثل لبنان، أرمينيا، مصر، جورجيا، الأردن، المغرب، باكستان، سوريا، تونس، الضفة الغربية وغزة، ستواجه مصاعب جمّة في المستقبل القريب.
وأخطر ما في التضخّم، هو قدرته على ضرب الاقتصاد بشكل فتّاك. حتّى أن بعض المؤشرات التي تبدو إيجابية على المستوى الحسابي، لا يمكنها ردع التضخّم. فلبنان الذي شهد نمواً بنحو 2 بالمئة بفعل زيادة معدّل الاستهلاك الذي رَفَعَ مستوى الناتج المحلّي، وأيضاً بفعل استمرار التحويلات النقدية من الخارج، لم يستطع لجم التضخّم، وفق ما يقوله لـ"المدن"، الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة.
هذا الواقع، سيدفع صعوداً أسعار الخبز والسلع الغذائية والمحروقات والدولار. أما الرواتب والأجور، بنظر عجاقة، فإن رفعها لمواجهة التضخّم، سيؤدي إلى خلق كتلة نقدية ستزيد التضخّم والأزمة. وهذه المرة، ليس هناك خطط دعم حكومية لمواجهة ارتفاع الأسعار.
غياب التمويل الخارجي
اعتمد لبنان لسنوات على الدعم المالي الخارجي، وخصوصاً من دول الخليج والدول المانحة من خلال المؤتمرات الدولية. لكن أزمة الاقتصاد العالمي والحرب في أوكرانيا، قلّصت إنفاق الدول على المساعدات ووجّهت ما في خزائنها نحو شعوبها وأسواقها الداخلية. أما الدول التي تستطيع التخلّي عن مبالغ معيّنة، فتعلم أن الدول الفقيرة لن تستطيع ردّ الديون. ولبنان لا يملك جاذبية للحصول على الأموال لأنه لم يقم بالإصلاحات المطلوبة، ويأتي الشلل الحكومي وعدم انتخاب رئيس للجمهورية، ليفاقم الأزمة.
والنافذة الوحيدة المفتوحة أمام لبنان للحصول على التمويل، هي نافذة صندوق النقد الدولي. لكن التمويل مشروط بالإصلاحات. ولأنها معطَّلة، سيدفع لبنان الثمن خلال العام 2023 على شكل تضخّم متزايد وإفقار أكثر.
بالتوازي، لن يستفيد لبنان من "هامش الأمان" الذي ستشهده الدول الخليجية خلال العام المقبل، بسبب المواقف المعادية التي تسجّلها بعض الأطراف السياسية. وتالياً، فإن "الآفاق الأكثر إشراقاً في بلدان مجلس التعاون الخليجي"، بسب توصيف تقرير الصندوق، ستبقى بعيدة عن لبنان الذي سيقف متفرّجاً على زيادة تحسّن الحسابات الخارجية في البلدان المصدّرة للنفط.