شبكات الصرف الصحي في لبنان على حافة الانهيار: ماذا ينتظر المسؤولون؟

يشهد لبنان منذ سنوات تدهورًا متزايدًا في البيئة نتيجة عوامل متعددة تشمل التلوث الصناعي، والنفايات الصلبة غير المدارة، والانبعاثات الغازية من السيارات والمصانع. ومع تزايد الكثافة السكانية وتوسع المناطق الحضرية، أصبحت مشكلة تلوث المياه والصرف الصحي أحد أبرز التحديات البيئية التي تهدد صحة المواطنين وتوازن النظام البيئي في البلاد. فالأنهار والجداول تتعرض للتلوث المستمر، والمياه الجوفية تتأثر بمخاطر التلوث الكيميائي والبيولوجي، ما يزيد من المخاطر الصحية ويقلل من جودة الحياة.


شبكات الصرف الصحي المهترئة: الأزمة الحقيقية

تمثل شبكات الصرف الصحي المهترئة في لبنان مشكلة بيئية وصحية بالغة الخطورة، إذ لم تعد هذه الشبكات القديمة قادرة على التعامل مع الكميات المتزايدة من مياه الصرف الناتجة عن الكثافة السكانية المتنامية وتوسع المدن. يؤدي تهالكها المستمر وتسرب الملوثات إلى انتشار روائح كريهة تغطي الشوارع والمناطق السكنية، ما يفاقم الإزعاج اليومي ويؤثر في جودة الحياة.

هذا وتعاني معظم المناطق الحضرية، ولا سيما العاصمة بيروت والمناطق المحيطة بها، من تداعيات هذه الشبكات، إذ إن الأحياء القديمة تحتوي على أنابيب مهترئة تعود لعقود طويلة، لم يشهد بعضها أي صيانة فعلية منذ إنشائها. كما تواجه بعض المناطق الساحلية في شمال وجنوب لبنان، مثل طرابلس وصيدا، مشكلات مشابهة، حيث تتسرب مياه الصرف إلى البحر مباشرة، مسببة تلوث الشواطئ والأنظمة البيئية البحرية، مما يهدد المصطافين والصيد المحلي.

تتسبب الشبكات غير المنتظمة أيضًا بتلوث التربة والمياه السطحية والجوفية، الأمر الذي يضاعف انتشار البكتيريا والفيروسات المسببة للأمراض المعوية والجلدية. هذا التلوث يزيد من مخاطر الإصابة بالإسهال، والتسمم الغذائي، وأمراض الكبد والجهاز الهضمي، لا سيما بين الأطفال وكبار السن، الذين يمثلون الفئة الأكثر ضعفًا. كما أن الأبخرة الناتجة من مياه الصرف المتراكمة في الشوارع والمجاري تؤدي إلى مشاكل تنفسية مزمنة، وتفاقم الحساسية والربو بين السكان.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تدهور شبكات الصرف الصحي يعكس سوء إدارة وعدم رقابة فعلية من قبل الجهات المعنية، حيث تفتقر الكثير من البلديات إلى خطط صيانة دورية، ولا يتم إجراء فحوصات دورية على جودة المياه قبل تصريفها. ويترتب على هذا الواقع انتشار مستمر للملوثات في البيئة، ما يجعل المشكلة لا تقتصر على جانب صحي فقط، بل تشمل أيضًا أبعادًا بيئية واقتصادية، إذ تتأثر السياحة والأنشطة الاقتصادية المحلية بشكل مباشر بسبب تلوث الشواطئ والمجاري المائية.

الأضرار والتداعيات الصحية والبيئية

تشمل المناطق الأكثر تضررًا العاصمة بيروت، خصوصًا الأحياء القديمة مثل الأشرفية، المرفأ، وبعض مناطق بيروت الغربية، التي تعاني من شبكات صرف صحي مهترئة تعود إلى عقود طويلة، ولم تشهد تحديثًا أو صيانة جذرية منذ إنشائها. هذه الشبكات المتقادمة تؤدي إلى تسرب مياه الصرف إلى الشوارع والأرصفة، ما يخلق بيئة مثالية لتكاثر البكتيريا والحشرات، ويسبب انتشار الروائح الكريهة التي تؤثر سلبًا في جودة الحياة اليومية للسكان.

أما المناطق الساحلية، مثل صور وصيدا وطرابلس، فتواجه أزمات بيئية مماثلة وأكثر خطورة، إذ تتسرب مياه الصرف مباشرة إلى البحر. هذا التلوث يهدد صحة المصطافين والسباحين، ويؤثر في النشاطات السياحية والصيد البحري، كما يؤدي إلى تدهور الشعاب المرجانية والأنظمة البيئية البحرية. في بعض الحالات، تصل مياه الصرف إلى الشواطئ العامة، ما يجبر السلطات المحلية على إغلاقها بشكل دوري لحماية الصحة العامة، ما يضاعف الأضرار الاقتصادية على المجتمعات الساحلية.

وليس فقط المدن الساحلية والحضرية هي المتضررة، بل إن المناطق الريفية والداخلية تعاني أيضًا، خاصة القريبة من المجاري المائية والأنهار التي تستقبل مياه الصرف دون معالجة مناسبة. في هذه المناطق، يؤدي تسرب مياه الصرف إلى تلوث المياه الجوفية المستخدمة للشرب والزراعة، مما يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض الجهاز الهضمي والجلدي بين السكان، ويؤثر في جودة المحاصيل الزراعية. كما أن هذه الظاهرة تزيد من تدهور البيئة الطبيعية، وتؤثر في الحيوانات والنباتات المحلية، ما يخلق حلقة من التلوث المستمر يصعب السيطرة عليها دون تدخل عاجل.

باختصار، أزمة شبكات الصرف الصحي لا تقتصر على مدينة أو منطقة بعينها، بل هي مشكلة متشابكة تشمل العاصمة، المدن الساحلية، والمناطق الريفية، ما يجعلها تحديًا وطنيًا يتطلب حلولًا شاملة وسريعة لضمان صحة المواطنين وحماية البيئة.

حلول لمعالجة الأزمة

لمعالجة هذه المشكلة، هناك حاجة إلى حلول عاجلة ومستدامة. يجب أولاً تحديث شبكات الصرف الصحي القديمة واستبدال الأنابيب المتضررة، مع إنشاء محطات معالجة متطورة لتصفية مياه الصرف قبل تصريفها في البيئة. كما يجب فرض رقابة صارمة على جميع مرافق الصرف الصحي، لضمان صيانتها الدورية ومنع أي تسرب للملوثات. ومن الضروري أيضًا توعية السكان بخطورة التخلص العشوائي من النفايات والمياه المستعملة، وتشجيع الاستخدام الرشيد للمياه لتخفيف الضغط على الشبكات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للجهات الحكومية التعاون مع المنظمات الدولية للحصول على دعم فني وتمويل مشاريع بيئية مستدامة تهدف إلى حماية البيئة والصحة العامة.

أخيراً، تشكل شبكات الصرف الصحي المهترئة في لبنان تحديًا بيئيًا وصحيًا كبيرًا يهدد جودة الحياة ويزيد من انتشار الأمراض ويؤثر في الاقتصاد المحلي. ومع تزايد أعداد السكان وتوسع المدن، يصبح التأخر في معالجة هذه الأزمة أكثر خطورة، ما يستدعي تحديث البنية التحتية، وتعزيز الرقابة، وتطبيق حلول معالجة فعالة ومستدامة لحماية المواطنين والبيئة على حد سواء.

ولكن يبقى السؤال الأهم: هل ستكون الجهات المعنية قادرة على اتخاذ الإجراءات اللازمة قبل أن تتحول الأزمة البيئية والصحية إلى كارثة يصعب السيطرة عليها؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تتطلب تضافر جهود الحكومة والمجتمع المدني والمواطنين معًا لضمان مستقبل صحي وآمن للأجيال القادمة.