تشير التقارير الأمنية، الوافدة باستمرار وبشكلٍ مطّرد إلى مكاتب الأجهزة، إلى وضعية «غير سليمة» في شارع الحمرا أخيراً، وتحوّله إلى نسخة مشابهة لشوارع اشتُهرت بالخدمات الجنسية التي تقدّمها. فتلحظ التقارير تجاوزات وأعمالاً غير مشروعة أو لائقة تجري تحت أنظار روّاد الشارع، وتنشط عملياً خلال فترة منتصف الليل وما بعده، إلى حدٍّ جعل من الشارع خلال هذا التوقيت منطقة «غير آمنة» أو مشبوهة، وعبوره يشوبه الحذر الشديد. غير أن المثير للاستغراب، عدم تحرّك أيّ من الأجهزة المعنية للحدّ من هذه الظاهرة المتفلّتة على الرغم من خطورتها، واقتصار مَهامها على إعداد التقارير عند الطلب. ويثير عدم اكتراث الأجهزة تساؤلات عن وجود «ثغرة ما» يجري استغلالها، قد توحي بتوفير تغطية، أو أقلّه شبكة محسوبيات ناشئة، تحيد الشارع عن دائرة الاهتمام الأمني.
عملياً، تندرج الأعمال المخلّة بالآداب المشار إليها، والملاحَظ نشاطها أخيراً ، ضمن صلاحيات «مكتب الآداب ومكافحة الدعارة» التابع لقوى الأمن الداخلي. وعلى الرغم من وجود «مخفر حبيش» الذائع الصيت في جوار «شارع الحمرا»، غير أن عملية التدخل للحدّ من الذي يحصل تبقى شبه معدومة أو موسمية على حدّ قول أحد المتابعين، وسط أسباب يتناقلها رجال الأمن، وتعود إلى فقدان المكتب وسواه للقدرة على التحرّك نتيجة النقص العددي من جهة، أو عملية الاستنزاف الحاصلة من جهة أخرى، من دون أن يجد سواء هذا أو ذاك ما يبرّره.
ما ينسحب على قوى الأمن ينسحب على الأجهزة الأمنية الأخرى. لا يوجد جهاز أمني لا يمتلك مكتباً في شارع الحمرا. هذه الأجهزة ولأسباب متعدّدة، تحاول رمي المسؤولية بعضها على بعض، على قاعدة أن الصلاحية لا تعود إلى هذا الجهاز إنما إلى ذاك، وهي أسباب أدّت وتؤدي إلى ازدهار «ترويج الأجساد» عملياً، ما وضع هذه الأجهزة في قفص الاتهام، وما يعزّزها لجوء بعض جهات «الأمر الواقع» الحزبية في المنطقة إلى التحرّك لدى قيادات تلك الأجهزة، لوضعها في صورة ما يحصل في الشارع، ولفت نظرها إلى تراجع التدابير الوقائية، ومحاولة إيجاد معالجات وحلول سريعة، بذريعة «المحافظة على الصورة الثقافية والتجارية للشارع».
غير أنّ غياب الإجراءات الأمنية، أو تضارب الصلاحيات، لا يعني الاستمرار في ذلك. فقد بعثت «المديرية العامة لأمن الدولة»، قبل نحو أسبوعين، برقية إلى مكتبها الإقليمي في الحمرا بناءً على مراجعات مدنية وحزبية، تطلب فيها منه إعداد تقرير وإفادتها بالمعطيات المتوفّرة لديه حول أعمال منافية للحشمة تحصل في الشارع. ووفق معلومات «الأخبار»، تعمل «المديرية» بالتعاون مع الأجهزة الأخرى على بناء ملف متكامل، تمهيداً لرفعه إلى الجهات المعنية، مع اقتراح إدراجه على جدول أعمال أول جلسة تُعقد لمجلس الأمن الفرعي لمناقشته. وفي هذا الصدد، عُلم أن المديرية أرسلت كتاباً إلى كلّ الأجهزة تحيطها علماً بما باتت تمتلكه من معلومات حول ما يجري في الشارع، مقترحة تنسيق إجراءات مناسبة تؤدي إلى قمع هذه المظاهر.
من جانب آخر، على الرغم من إعلان وزير الداخلية القاضي بسام المولوي أمام ممثلي الأجهزة نيّته بتوسيع حضور مجلس الأمن المركزي وتكثيف اجتماعاته لمواكبة التطورات، غير أن الواقع يطغى على الأحلام، إذ تحتجب الوزارة عن الدعوة إلى اجتماع بات ملحّاً في ظل تراكم الملفات الأمنية التي تحتاج إلى متابعة ومعالجة، لأسباب تقول المصادر إنه «ليس في مقدور الأجهزة مجتمعة تفسيرها».
مصادر أمنية واسعة الاطّلاع، قالت لـ«الأخبار» إنه من بين الأفكار المطروحة بعد إنجاز مراسلة كلّ الأجهزة، اقتراح إنشاء «حلقة أمنية» ترعى توزيع المهام والإشراف على تنفيذها، والتنسيق بين الأجهزة لمواكبة ما يجري في الشارع، وإيجاد حلول له، وأوّلها ملاحقة الشبكات التي تعمل على ترويج المخالفات وتوقيف الناشطين فيها، خصوصاً بعدما تبيّن وقوف شبكات منظّمة خلف ما يحصل. علماً أن دور هذه الشبكات لم يعد محصوراً في نشر الأعمال المخلّة بالآداب من دعارة وغيرها فقط، إنما يرتبط أيضاً بنشر المتسوّلين الذين يجري استقدامهم من مناطق مختلفة وزرعهم في الشارع وسط تنامي الشكاوى من مضايقات يقف هؤلاء خلفها.