شتاء قارس ينتظر اللبنانيين.. برداً وتكلفةً

كتبت أنديرا مطر في القبس الكويتية: خلعت القرى والبلدات اللبنانية العالية رداءها الخريفي وتحضرت لشتاء قارس في صقيعه وفي كلفة وسائل التدفئة. فصل آخر يراكم معاناة اللبنانيين الذين يناضلون لتأمين احتياجاتهم الاساسية من مأكل وطبابة والآن للحصول على نفحة دفء لا يمكن الاستغناء عنها خلال الشتاء.
في عطلة نهاية الأسبوع بدت الشوارع في بلدة القاع البقاعية، والمحاذية للحدود السورية، خالية من السيارات ومن المشاة، سوى قلة تحدت لسعات البرد وخرجت لاستحضار ما تحتاجه من الأسواق القريبة.
رائحة الحطب المشتعل تتسرب من داخل المنازل مستحضرة معها صوراً من ماضٍ بعيد حين كان قاطنو الأرياف لا يملكون وسائل للتدفئة سوى اشعال الحطب ومناقل الفحم.
داخل غرفة «شتوية» في منزلها، وضعت جاكلين فارس (ربة منزل وأم ولدين) صندوقين مليئين بالحطب.
هدير المدفأة المشتعلة تتوسطها زجاجة شفافة تظهر ألسنة النار داخلها تضفي لمسة رومانسية على ليالي الشتاء الباردة، لولا أن هموم الحياة المزدحمة في رأس السيدة الخمسينية لم تترك للرومانسية مكاناً.
«حياتنا أصبحت عبارة عن إعادة تدوير»، تقول لـ القبس وهي تضع بضع رؤوس من البطاطا داخل فرن المدفأة.
«وفرت في احتياجات أساسية.. شطبت الكثير من أصناف الطعام المكلفة عن مائدتنا، واعتمدت بصورة اساسية على طهي الحبوب التي تصلنا كإعاشات من جمعيات ومنظمات دولية في اطار مساعدة المجتمعات المضيفة، لكون بلدة القاع تأوي عدداً كبيرا من النازحين السوريين.. استغنيت عن شراء اللباس واتدبر امورنا بالمتوفر لدينا. لكن لا يمكننا الاقتصاد في التدفئة.. فأي مرض يصيب اطفالنا بسبب البرد سندفع ثمنه اضعافا».
من المازوت إلى الحطب
استبدلت جاكلين مدفأة المازوت بأخرى على الحطب ابتاعتها قبل اسبوع من مصنع «عامر» في بعلبك.
تروي لـ القبس أن المتجر كان مزدحما، فمعظم ابناء البقاع لجأوا الى تبديل أسلوب التدفئة نحو الحطب، لأنه يبقى الأدنى كلفة بين أساليب التدفئة الأخرى. فمادة المازوت غير متوفرة دائما وإن وجدت فبأسعار خيالية. و«مؤسسة كهرباء لبنان» لا تؤمن سوى ساعتين من التيار في الحد الاقصى، مقابل ارتفاع أسعار الاشتراك بالمولدات الخاصة والتي تخطت الـ100 دولار للبيت الواحد ولا يمكن تشغيل المدافئ الكهربائية في ظل اشتراك يعادل 5 أمبير.
لكن خيار الانتقال الى الحطب ليس أقل وطأة، فتكلفة شراء المدافئ اللازمة للحطب ومستلزماتها، ارتفعت أسعارها أيضاً وباتت تخضع لبورصة سعر صرف الدولار لارتباط سعر الحديد الذي تصنع منه هذه المدافئ بتقلباته وهي تبدأ من 150 دولارا وتصل إلى 700 دولار. علما أن بعض الناس عمد بنفسه إلى تحويل المدفأة من المازوت إلى الحطب لعدم قدرته على شراء أخرى جديدة، ما قد ينطوي على مخاطر تتعلق بتسرب الدخان او عدم كفاءة الاحتراق.
الحطب شحيح وأسعاره مرتفعة
صحيح ان الحطب أدنى كلفة من سواه لكنه متوافر في الارياف والمناطق النائية فحسب. ولأن كلفة الطن ارتفعت كثيرا عن العام الفائت وباتت تتراوح بين 160 و240 دولارا، استعاض قسم كبير من أبناء القرى عن شراء الحطب بتجميعه من الأحراج، أو بقطع الأشجار اليابسة من بستانه كما فعلت عائلة جاكلين، اذ قالت ان زوجها «قطع اشجار المشمش من بستان يملكه بعدما يبست بسبب شح المياه».
البرد يهدد المسنين: يا ليت الصيف يستمر
الأطفال والمسنون هم الأكثر هشاشة وحاجة الى التدفئة. وفي القرى اللبنانية يقطن عدد كبير من المسنين الذين ابوا مغادرة بيوتهم للعيش مع أبنائهم خارج القرية. هم ايضا ينتابهم القلق ويتوجسون من البرد الذي يكتنف أجسادهم المتداعية.
تقول سيدة ثمانينية تعيش وحيدة في منزلها بعدما هجر ابناؤها القرية الى بيروت «يا ليت الصيف يستمر، اتحمل لهيب الحر لكن البرد لا يرحم.. اخاف الموت برداً، وأصلي لكي يكون الشتاء رحوما على العجائز والاطفال».
المدفأة ليست خياراً.. بل ضرورة
تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر في البلدات التي ترتفع 1000 متر عن سطح البحر. ما يجعل المكوث في احدى غرف المنزل بلا تدفئة أمرا مستحيلا. في هذه البلدات المدفأة ليست خيارا ولا هي من ضمن الديكور الشتوي، بل ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها.
تحتاج العائلة المكونة من خمسة أفراد على سبيل المثال من خمسة إلى ستة براميل من المازوت، لا يقل سعرها عن 1000 دولار أميركي فقد سجّل متوسّط سعر برميل المازوت في النصف الأول من شهر نوفمبر الجاري 215 دولاراً.
وتحتاج العائلة نفسها الى 4 اطنان من الحطب تختلف اسعاره بحسب نوعيته ويبدأ من 140 دولاراً وقد يصل إلى 220 دولارا، من دون كلفة نقله.  
85 مليون ليرة كلفة التدفئة للأسرة الواحدة
«اللبنانيون في معاناة على أبواب الشتاء قد تدفع بالكثيرين منهم إلى تحمل البرد لعدم قدرتهم على تحمل نفقات التدفئة الباهظة»، هذا ما أورده تقرير «الدولية للمعلومات» بعدما اتضح أنّ كلفة التدفئة للوحدة السكنية خلال أشهر البرد تصل إلى 85 مليون ليرة لبنانية، في حال تم الاكتفاء بتدفئة غرفة او اثنتين. ولحظت الدراسة أن الكهرباء لا يعتمد عليها في ظل الانقطاع الدائم للتيار وارتفاع كلفة المولدات.
أما الغاز فهو أيضاً مرتفع الثمن بنحو 350 ألف ليرة لقارورة الغاز، وهي عديمة الفعالية في البرد الشديد، فيما المازوت وهو الوسيلة التي يعتمدها أكثرية اللبنانيين، كلفته مرتفعة، فسعر الصفيحة هو 850 ألف ليرة (كان السعر في العام الماضي 100 ألف ليرة) والحاجة هي إلى نحو 100 صفيحة للوحدة السكنية في موسم الشتاء (وهذه الكمية تختلف تبعاً للظروف المناخية)، تكون الكلفة هي 85 مليون ليرة في موسم الشتاء.
الحطب أوفر.. قليلاً
ومن ناحية الحطب، فقد تصل الحاجة إلى نحو 6 أطنان من الحطب (وهذه الكمية تختلف تبعاً للظروف المناخية)، وكلفة الطن الواحد تتخطى 8 ملايين ليرة أي نحو 42 مليون ليرة في الموسم، من دون إغفال أن تدني سعر الحطب مقارنة بسعر المازوت سيدفع بالعديد من الأسر إلى تبديل المدفأة من المازوت إلى الحطب وتحمل كلفة شراء مدفأة جديدة، وسط تحذير من تداعيات بيئية خطيرة إذ ستزيد من قطع الأشجار وافتعال الحرائق لتبرير الأمر.