"شتلة الصمود" صامدة مرحلياً... ماذا عن الموسم المقبل؟

لطالما شكلت زراعة التبغ أو "شتلة الصمود" كما يحلو لأهالي الجنوب تسميتها، المدماك الذي يخوّلهم مواجهة، ليس فقط إسرائيل وحروبها المتكررة، بل أيضاً الأزمات الاقتصادية والمالية.

في العام الماضي نجح الجنوبيون في إنقاذ موسم التبغ نظراً إلى تزامن اندلاع المعركة وتوسّعها في 8 تشرين الأول مع انتهاء الموسم، لكن ماذا عن موسم عام 2024 الذي بدأ وسينتهي والحرب لا تزال حامية؟

"منذ 20 عاماً وأكثر وأنا ازرع ما يفوق 10 دونمات من التبغ، كان مجمل محصولي يفوق الطن سنوياً. أما الآن، وبعدما نزحت من بلدتي مركبا الحدودية الى خربة سلم، فلم أستطع حتى زراعة دونم واحد، علماً بأن زراعة هذه الشتلة التي ورثتها عن أجدادي هي مصدر رزقي الوحيد. ولا أخفي سراً أنه إذا طالت الحرب فسأستثمر قطعة أرض في أيّ قرية آمنة لأعاود الزراعة".

هذه المعاناة التي يعيشها المزارع الخمسيني جهاد حمود تشمل مئات الجنوبيين الذين امتهنوا زراعة التبغ منذ عقود وعايشوا أكثر من حرب وعدوان.

ويضيف حمود في حديثه لـ"النهار": "سمعنا الكثير عن المساعدات التي ستخصَّص لنا كمزارعين متضرّرين من الحرب، لكن المعلومات متضاربة، وحتى الآن لم نحصل على شيء".

في تشرين 2023 تحولت الأراضي الزراعية في الجنوب، ولا سيما تلك الواقعة في القرى المتاخمة للأراضي الفلسطينية المحتلة الى مسرح للأعمال الحربية وهدف للغارات الإسرائيلية، وتالياً من المستحيل زراعتها ولو بأشجار أو شتول لا تحتاج لعناية، فكيف إن كانت المزروعات شتول التبغ التي تتطلب عناية شبه يومية وعملاً "من السنة الى السنة".

في السياق، يرى رئيس اتحاد نقابات مزارعي التبغ حسن فقيه أن الموسم تأثر بالأوضاع في الجنوب، فضلاً عن تأثر زراعة التبغ في الأعوام الأخيرة حتى قبل الحرب وذلك من جراء الأزمة الاقتصادية وارتفاع أكلاف الزراعة وانهيار سعر الليرة. ويضيف فقيه "حين بدأنا بخطة إعادة ترتيب أوضاع هذه الزراعة أتت الحرب لتعيدنا الى ما كنّا عليه"، لافتاً الى أن مجمل محاصيل الموسم في الجنوب ستراوح بين 1500 و2000 طن، أي أقل من نصف ما هو مصرّح لزراعته من إدارة حصر التبغ والتنباك والبالغ 5 آلاف وخمسمئة ألف طن كحد أقصى، أما في 2023 فكان إجمالي المحصول ألفي طن".

ويشيد فقيه بالإجراءات التي اتخذتها إدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي) لمساعدة المزارع كرفع سعر كيلو التبغ الى دولار ونصف، وصرف مساعدة اجتماعية نحو دولارين لكل كيلو سلّمه مزارعو قرى الشريط الحدودي (60 قرية)، منوّهاً بأن "هذه المساعدة ستُصرف لمن زرع هذا الموسم، أما من لم يزرع فسيُعطى دولارين عن كل كليو سلّمه الموسم الماضي".

ويضع فقيه هذه الإجراءات في سياق دعم المزارع "لكي يتمكن من الاستمرار في المواسم المقبلة إذا انتهت الحرب"، معتبراً أن "بدء الريجي بتسلّم المحاصيل قبل 45 يوماً من الموعد المعتاد خطوة إيجابية جداً، وتستبق أيّ عدوان إسرائيلي محتمل، وتريح المزارع من عبء محصوله الذي يصعب نقله في حال اضطراره للنزوح الى مناطق آمنة".

يعتمد الجنوب تقليدياً على زراعة التبغ التي تتركز تحديداً في المنطقة الحدودية. ولكن الاعتداءات الإسرائيلية أسهمت في تراجع إنتاج التبغ من 5 آلاف طن في عام 2019، إلى 1900 طن في عام 2023، ومن المتوقع أن ينخفض إلى حدود 1200 طن هذه السنة. وبحسب مدير الزراعة والمشترى في "الريجي" المهندس جعفر الحسيني فإن ثمة 44 قرية حدودية خالية من سكانها تشكل 40% من عديد المزارعين الذين ينتجون نحو 42% من إنتاج الجنوب (باستثناء رميش حيث لا يزال غالبية سكانها في القرية). كذلك، فإن ثمة 13 قرية قريبة من الحدود وخالية من سكانها، وتشكل 6% من عديد المزارعين في الجنوب وينتجون نحو 7% من إنتاجه"، مستنتجاً أن نحو 46% من مزارعي الجنوب حُرموا من زراعة التبغ.

في المحصّلة، الضرر لم يقتصر على موسم أو موسمين، بل على مساحات زراعية ستحتاج بعد الحرب إلى استصلاح مكلف مالياً وزمنياً ووقتاً، وتالياً فإن تعويضات الدولة للمزارعين لن تفي الغرض!