المصدر: الشرق الأوسط
الكاتب: كارولين عاكوم
الخميس 3 آب 2023 07:25:30
تضاف أزمة السكن في لبنان إلى الأزمات التي تُقلق الشباب اللبناني وتَحول دون إمكانية التخطيط لمستقبله في ظل توقف القروض المدعومة التي كان يعتمد عليها ذوو الدخل المتوسط والمحدود. فمنذ عام 2019، مع بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان وارتفاع سعر صرف الدولار وتآكل قيمة الرواتب التي لحق بها توقف القروض المدعومة التي كانت تقدمها المصارف، بات شراء أي شقة مهمة مستحيلة بالنسبة إلى أكثرية اللبنانيين في وقت لم يعد فيه استئجار المنزل أمراً سهلاً بسبب زيادة الطلب على الإيجارات من جهة وعدم قدرة كثيرين على دفع المبلغ الذي يعد مرتفعاً بالنسبة إلى ذوي الدخل المحدود، ومن لا يزالون يقبضون رواتبهم بالليرة اللبنانية.
هذا الواقع أطاح بخطط الشباب الذين بات جميعهم يبحثون عن حلول بديلة متنازلين عن الكثير من متطلباتهم اليومية. وهو ما يتحدث عنه سامي (32 عاماً)، بحيث تبدَّل كل ما كان يخطط له مع خطيبته في عام 2019 رأساً على عقب بعد الأزمة المالية التي أطاحت بالدرجة الأولى بمشروع شراء منزل خاص بهما. إذ بعدما كانا قد دفعا الدفعة الأولى من قسط المنزل وينتظران توقيع المصرف على القرض لشراء البيت، تراجعا عن الخطوة بعدما توقفت القروض السكنية، واضطرا إلى أن ينتقلا للعيش في بيت مستأجَر. لكنّ هذا الأمر، بعدما أصبح لديهما طفل، بات يشكّل لهما قلقاً دائماً، حسبما يقول سامي لـ«الشرق الأوسط»: «المشكلة تكمن في أن صاحب المنزل الذي سبق أن رفع الإيجار بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار قد يعمد في أي لحظة إلى طلب إخلاء البيت، وهو ما سيدخلنا في أزمة البحث عن منزل بديل وتحمّل مشقة الانتقال».
ولا يختلف وضع أحمد (29 عاماً) كثيراً وإن كان أفضل بعض الشيء، وذلك لامتلاكه أرضاً استطاع البناء عليها بيته الخاص في بلدته الجنوبية. إذ إن أحمد الذي كان يجمع المال ويخطط لشراء منزل في بيروت حيث يعمل، عبر الحصول على قرض، حالت الأزمة المالية دون تنفيذ خطّته لأسباب عدة. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في عام 2019 كنت قد جمّعت مبلغاً من المال في المصرف، وأسعى لزيادته ليكون دفعة أولى من القرض لأشتري منزلاً، لكن ما حصل في لبنان أدى إلى خسارة جزء كبير من هذا المبلغ وتراجع قيمة راتبي بأكثر من 50 في المائة، فعدت تقريباً إلى نقطة الصفر». هذا الأمر أدى إلى تبدّلٍ جذري في خطة أحمد. فهو لم يجد أمامه إلا اللجوء إلى خيار الإقامة في الجنوب، مع كل ما يرتّب عليه هذا الأمر من مشقة التنقلات اليومية إن لجهة زحمة السير أو لجهة تكلفة المحروقات، «وهو ما سينعكس سلباً على إمكانية ارتباطي في المستقبل القريب، مع المدفوعات التي تتراكم وتتضاعف بشكل يومي».
ومشكلة السكن هذه لا تقتصر على الشباب، إذ إن العائلات التي كانت تدير أمور حياتها بطريقة مقبولة إلى حد كبير قبل الأزمة أُصيبت أيضاً بنكسة كبيرة لا سيما مَن لديهم أولاد في المدارس والجامعات. وهو ما تتحدث عنه ليلى، المعلمة في إحدى المدارس الخاصة، وزوجها شادي، الجندي في الجيش اللبناني. وتقول ليلى لـ«الشرق الأوسط»: «كنا نعيش في منزل مستأجر وندفع إيجاراً 400 دولار من راتبي وراتب زوجي (كان راتبهما معاً يبلغ نحو 2200 دولار)، لكن صاحب المنزل طلب إخلاء المنزل ما اضطرنا للبحث عن بيت آخر، لكنّ المشكلة اليوم تكمن في أن راتبي الذي لا أزال أقبضه بالليرة اللبنانية، لا تتجاوز قيمته الـ150 دولاراً، وراتب زوجي لا تتعدى قيمته أيضاً مع كل التقديمات والمساعدات التي تقدم له الـ200 دولار، بينما لا نجد بيتاً بأقل من 250 دولاراً، وذلك إضافةً إلى الأقساط المدرسية التي ترتفع بشكل جنوني وباتت أيضاً بالدولار، مما اضطرنا إلى نقل أبنائنا إلى المدرسة الرسمية علّنا نستطيع دفع بدل الإيجار».
وأزمة السكن هذه تعكسها الأرقام التي يتحدث عنها كل من أنطوان حبيب، مدير عام مصرف الإسكان الذي اعتاد تقديم قروض الإسكان المدعومة، والباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين.
ويتحدث حبيب عن قروض الإسكان ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «عدد قروض الإسكان كان الأعلى بين عامي 2017 وبداية عام 2019، حيث كانت القروض تقدَّر بالآلاف سنوياً، قبل أن تتوقف في عام 2020 مع توقف القروض بشكل نهائي نتيجة الأزمة المالية وتوقف تمويلها من الصندوق العربي».
ويشير في الوقت عينه إلى أن هناك عشرات آلاف الأشخاص الذين استطاعوا الاستفادة من الأزمة عبر تسديد كامل القرض المقدم بالليرة اللبنانية، نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار والاستفادة من هذا الأمر. مع العلم أن المصرف المركزي أصدر تعميماً سمح فيه لمن لا تتجاوز مدة قرضه 7 سنوات (وهو الشرط المنصوص عليه في القرض) بتسديد القرض، وهو ما أدى إلى ارتفاع عدد الذين أنهوا قروضهم للمؤسسة العامة للإسكان والمصارف الخاصة، على خلاف «مصرف الإسكان» الذي لم يلتزم بالتعميم وفرض انتظار مرور السنوات السبع.
لكن يبدو أنّ بارقة أمل، وإن كانت محدودة، تلوح مجدداً للذين ينوون شراء منزل جديد، حسبما يلفت حبيب، مشيراً إلى أنه من المفترض أن يعود الصندوق العربي لتمويل القروض وأن تبدأ الخطوات العملية لذلك خلال فترة قصيرة على أن تشمل ما بين 5 و6 آلاف وحدة سكنية بمساحة 150 متراً مربعاً، وأن تكون موجهة لذوي الدخل المحدود والمتوسط، لكنه يقرّ بأن هذه المبالغ لا تكفي لمن يريد شراء بيت في العاصمة أو في المدن الكبرى إنما في القرى والضواحي.
ويقول الباحث محمد شمس الدين لـ«الشرق الأوسط»: «خلال سنوات ما قبل الأزمة أي بين عامي 2010 و2018 كان متوسط عدد الشقق التي يتم شراؤها 27 ألف شقة سنوياً وكان معظمها بقروض سواء من مصارف مباشرة أو المؤسسة العامة للإسكان عبر المصارف، وبالتالي كان أي لبناني من ذوي الدخل المتوسط أو المرتفع قادراً على أن يشتري منزلاً بالتقسيط بحيث إن القسط الشهري يوازي المبلغ الذي قد يدفعه للإيجار، لكنه بذلك يستطيع في غضون 10 - 20 سنة أن يمتلك المنزل».
ويضيف: «لكن وبعد توقف القروض السكنية في عام 2019 تراجعت حركة شراء الشقق بشكل كبير جداً باستثناء مَن تأتيه أموال من الخارج، لا سيما من المغتربين، بحيث بات عدد الشقق التي يتم شراؤها خلال الأزمة يتراوح سنوياً فقط بين 3 آلاف و3500 شقة».
من هنا، يلفت شمس الدين إلى أن «عدم القدرة على شراء الشقق أدى إلى ارتفاع بدل الإيجارات»، موضحاً: «في السنوات الأولى للأزمة كانت أسعار الإيجارات منخفضة لا سيما بالدولار الأميركي لكن في السنتين الأخيرتين عادت إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، وأصبح إيجار المنزل يتراوح بين 200 و500 دولار أو أكثر، في حين أن عدداً كبيراً من اللبنانيين لا يزالون عاجزين عن دفعه». من هنا، يتحدث شمس الدين عن «مشكلة سكن خطيرة في لبنان، إذ إن المواطن اللبناني غير قادر على أن يحصل على قرض وغير قادر أيضاً على أن يستأجر لأن الإيجارات مرتفعة مقارنةً مع الرواتب والحد الأدنى للأجور مع الطلب المتزايد أيضاً على الإيجارات، وبالتالي نحن أمام معضلة سكن كبيرة جداً خصوصاً في صفوف الشباب الذين يسعون لتأمين مستقبلهم عبر شراء أو استئجار شقة».