شركات التأمين والتحصين ضد تبييض الأموال

منذ نحو ثمانية أشهر، أُلغيت بوليصتا تأمين على الممتلكات في لبنان تعودان إلى شخصين أُدرجا على لائحة العقوبات الأميركية، بعد الاشتباه بقيامهما بعمليات تبييض أموال. تُعدّ هذه الواقعة مثالًا على إحدى الوسائل المعتمدة لتبييض الأموال عبر شركات التأمين، والتي تبرز أكثر من خلال بوالص التأمين على الحياة. عدا عن عمليات «غسل» أو تمويل إرهاب الممكن حصولها من قِبل مساهمين في الشركات عبر زيادة رأس المال. كيف يتمّ التبييض ومَن هي الجهة المسؤولة عن الرقابة والامتثال في قطاع التأمين ووسائل الرقابة المتبعة وآليات التتبّع؟

يعدّ التأمين من القطاعات المالية عالية المخاطر في مجال تبييض الأموال وتمويل الإرهاب مثلها مثل المصارف وكتاب العدل والمحامين والمحاسبين المجازين وأصحاب محلات الصرافة... لذلك، وفي ظلّ العمل على إخراج لبنان من اللائحة الرمادية في العام 2027، العيون شاخصة أيضًا على التشدد في تقصّي المعلومات عن المؤمّنين وأصحاب الشركات وكل من يتعامل في مجال التأمين. تُسلّط الأضواء أكثر فأكثر على موضوع تبييض الأموال في ظلّ تفشي اقتصاد الـ «كاش» وغياب القطاع المصرفي، ما يجعل من قطاع التأمين بدوره قناة محتملة لغسل الأموال، تمامًا كما المصارف وكتاب العدل والمحامين والمحاسبين المجازين.

قانونًا، تُدرج شركات التأمين في خانة المؤسسات المالية الواردة في قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب رقم 44/2015. فالمادة الخامسة منه نصّت على أنه «على مؤسسات وشركات التأمين، ونوادي القمار، وتجار ووسطاء العقارات، وتجار السلع ذات القيمة المرتفعة (حلى، أحجار كريمة، ذهب، تحف فنية، آثار قديمة)، مسك سجلات بالعمليـات التــي تفوق قيمتها مبلغ تحدده هيئة التحقيق الخاصة، ويتوجب عليهم التقيّد بالنصوص التنظيمية وبالتوصيات التي تصدر عن «الهيئة» لغايات تطبيق أحكام هذا القانون».

تُعتبر بوالص التأمين الأكثر عرضة لعمليات تبييض الأموال، تلك المتعلقة بالتأمين على الحياة التي توقف شراؤها بعد اندلاع الأزمة المالية بسبب احتجاز الودائع،  وتوقف المصارف عن أداء خدماتها المعهودة.

لماذا بوالص التأمين على الحياة؟

لأنها تنقسم الى جزأين: الجزء الأول من الأموال الذي يسلّم من المؤمّن بهدف إعادته إلى ورثة المضمون عند الوفاة والجزء الآخر يستثمر في صندوق يمكن للمضمون أو المستثمر استعادته حسب بنود العقد غالبًا ما يكون عندما يشاء.

من هنا إن شركات التأمين تلتزم من خلال لجنة مراقبة هيئات الضمان القيّمة على القطاع والتابعة لوزارة الاقتصاد والتجارة، بقانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب من خلال التعاون الدائم مع هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، الأمر الذي أكّده رئيس جمعية شركات التأمين في لبنان أسعد ميرزا لـ «نداء الوطن» إذ قال: «إن الشركات اللبنانية ملتزمة بتطبيق القوانين وهي على تعاون مستمر مع مصرف لبنان في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب».

آليات التبييض

ماذا عن دور لجنة مراقبة هيئات الضمان في هذا المجال؟

رئيس لجنة مراقبة هيئات الضمان في لبنان نديم حدّاد عرض لـ «نداء الوطن» المخاطر التي تواجهها شركات التأمين فقال «تعدّ شركات التأمين عمومًا من القطاعات المالية عالية المخاطر في مجال تبييض الأموال لأسباب فنيّة عدّة:

1- أقساط التأمين يمكن أن تُستخدم لتحويل أموال مشبوهة إلى أموال»نظيفة» عند استرجاعها كتعويضات أو إلغاء العقود.

2- بعض عقود التأمين على الحياة أو الادخار تُمكّن من سحب أو تحويل الأموال قبل تاريخ الاستحقاق، ما يجعلها أداة محتملة لغسل الأموال.

3- وجود عدة طبقات من الوسطاء يعقد عملية التحقق من هوية العميل (KYC).

الإجراءات التقنية والرقابية

بالنسبة إلى قطاع التأمين في لبنان، يمكن الجزم بأنه في وضع جيّد جدً وذلك لسببين الأول هو الامتثال الرقابي العالي لشركات التأمين والثاني، توقف أنواع عقود التأمين التي تستعمل في مثل هذه الحالات وهي تأمين الحياة والادّخار بسبب الأزمة المالية والمصرفية.

أما في ما يتعلّق بالإجراءات التقنية والرقابية التي تعتمدها لجنة مراقبة هيئات الضمان فهي عن طريق تطبيق إطار متكامل من إجراءات الامتثال لمعايير مجموعة العمل المالي (FATF)، والتي من أهمها:

- إجراءات التدقيق بالعميل (KYC)

- التحقق من هوية الزبائن والمستفيدين الفعليين قبل التعاقد.

- تصنيف الزبائن حسب درجة المخاطر (Risk-Based Approach).

- منع التعامل مع أشخاص أو كيانات واردة في قوائم العقوبات (UN, OFAC, EU).

- تحديث دوري للبيانات الشخصية (Periodic Review).

- مراقبة العمليات المالية (Transaction Monitoring)

- التركيز على العمليات النقدية الكبيرة أو المتكرّرة (Cash-based Operations).

- الإبلاغ عن العمليات المشبوهة لهيئة التحقيق الخاصة في المصرف المركزي.

في الخلاصة شركات التأمين تدخل ضمن نطاق تطبيق معايير FATF لأن منتجاتها تُستخدم كأدوات مالية قابلة للتحويل النقدي، لذلك تقوم لجنة مراقبة هيئات الضمان بتطبيق نظام متكامل من الرقابة الوقائية، التقنية، والميدانية لضمان التزامها الكامل بمبادئ الامتثال، الشفافية، والإبلاغ الفوري بالتعاون مع الإدارات المعنية الأخرى.

كيف يحصل التبييض؟

التبييض، كما هو معلوم، يحصل بوسائل عدّة من خلال شركات التأمين من قبل الزبائن وأصحاب الشركات. وفي هذا الإطار يوضح حدّاد أنه «منذ عدة أشهر تمّ فرض عقوبات على مواطنين مؤمّنين لدى إحدى الشركات المحلية للاشتباه بقيامهم بعمليات تبييض أموال، وعلى الأثر أبلغت الشركة المذكورة خطيًا لجنة المراقبة وهيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان وتمّ الغاء العقود مباشرة. هذه الحادثة تؤكد الامتثال لشركات التأمين».

«في الوقت الحالي تنسّق لجنة مراقبة هيئات الضمان بمستوى أعلى لقطع الطريق على أي محاولة يمكن أن تضرّ بقطاع التأمين»، يقول حدّاد. أما في السابق، يضيف، فقد حصلت حالة واحدة مرتبطة بوضع مصرف «جمال تراست بنك» على لوائح العقوبات ما أدّى الى إجراء فوري بتعليق شركة التأمين التابعة له، وتمّ إعلان ذلك وتعميمه، ولم تلحظ الفترة الماضية منذ تلك الحادثة أي عقوبات تطال فاعلين في قطاع التأمين».

الإجراءات الرقابية للمؤمّن

في ما يتصل بالإجراءات الاستباقية والرقابية للراغبين بالتأمين تتأكّد الشركات من مصادر الأموال التي تفوق الـ 10 آلاف دولار وبطبيعة الحال تنظم عملية تقصّي المعلومات عبر نموذج إعرف عميلك KYC، وفي حال وجود أي اشتباه يتمّ التواصل مع اللجنة وهيئة التحقيق الخاصة بشكل فورى لإجراء المقتضى بحسب القوانين. فالمصرف المركزي عبر هيئة التحقيق الخاصة، واللجنة على تنسيق تام مع كافة الأجهزة الرقابية المعنية بهذا الموضوع.

يوضح حدّاد أنه «بعد الأزمة توقفت معظم برامج الاستثمار والادّخار نتيجة أزمة المصارف اللبنانية، وشركات التأمين هي من كبار المودعين بمبالغ تتجاوز 1,7 مليار دولار في المصارف اللبنانية. لكن في الفترة الأخيرة تقوم بعض الشركات بالعمل على إعداد برامج لإحياء هذا الجزء من القطاع وإعادة العمل به من جديد، ونحن نشجع ذلك وأي برنامج جديد مطروح لا يدخل حيز التنفيذ إلا بعد أن يتم التدقيق به بالتعاون مع هيئة الأسواق المالية لتأمين أعلى معيار من الشفافية والامتثال».

من كل ما ذكرنا، يمكن القول إن أقساط التأمين تُستخدم لتحويل أموال مشبوهة إلى أموال «نظيفة» عند استرجاعها كتعويضات أو إلغاء العقود أو من خلال بعض عقود التأمين على الحياة أو الادخار التي تُمكّن من سحب أو تحويل الأموال قبل تاريخ الاستحقاق. مع العلم أن هذا النوع من العقود شبه منعدم حاليًا كما ذكرنا آنفاً بعد الأزمة المالية، والتي أدّت إلى توقف المواطنين عن إجراء عقود تأمين على الحياة واستثمار أو ادّخار.

في هذا المجال تدور في الكواليس كما علمت «نداء الوطن» معلومات عن إمكانية طرح برنامجي تأمين على الحياة من شركة تأمين أجنبية على أن تودع الأموال في حساب خارج البلاد. معيدو التأمين العالميون يفضلون تبادل الأموال مع شركات التأمين المتواجدة في لبنان من خلال حساباتها في مصارف موجودة خارج البلاد.