شطب الطّبطبائي: نتنياهو يرفض تفاهمات ترامب – بن سلمان؟

اخترق اغتيال القياديّ الميدانيّ في “الحزب” هيثم الطبطبائي الجهود الدبلوماسيّة من أجل الحؤول دون توسيع إسرائيل حربها على لبنان. هل تبقى طهران على قرارها بأن يمتنع “الحزب” عن الردّ على اختراق أمنيّ جديد فاضح لمنظومته تفادياً لاستدراجه إلى مواجهة تُضعفه أكثر؟ هل تواصل واشنطن سياسة إعفاء لبنان من توسيع إسرائيل الحرب، بانتظار معرفة وجهة السلطة اللبنانيّة بشأن سلاح “الحزب” شمال الليطاني بعد نهاية 2025، في ظلّ اقتراح “احتواء” هذا السلاح بدل نزعه؟

حتّى ما قبل اغتيال الطبطبائي كانت إدارة دونالد ترامب تمارس ضغوطاً على تل أبيب لعدم توسيع الحرب ضدّ لبنان لأسباب عديدة منها:

– الحفاظ على الاندفاعة التي أطلقها ترامب بوقف الحروب في الشرق الأوسط بدءاً باتّفاق غزّة. فهو لا يريد الإيحاء بأنّ اعتماد “الدبلوماسيّة المقلوبة”، أي تحقيق السلام بالقوّة، آل إلى الفشل في لبنان، بموازاة الاهتزازات الحاصلة في تطبيق اتّفاق غزّة، بعد الحرب الكارثيّة التي خاضتها بلاده مع إسرائيل في القطاع، ثمّ في لبنان.

يعتقد رجال ترامب أنّ ما حقّقه دعمه لحروب إسرائيل في غزّة وضدّ إيران و”الحزب” من نتائج تعزّز موقع الولايات المتّحدة الأميركيّة الدوليّ ما يزال صالحاً للاستثمار السياسيّ من أجل تحقيق السلام. هذا استنتاج يقابله اعتقاد لدى دوائر أخرى في واشنطن قريبة من اللوبي الإسرائيليّ بأنّها لن تمانع إعطاء الضوء الأخضر للآلة العسكريّة الإسرائيليّة في لبنان مقابل تطويع نتنياهو للقبول بخطّة وقف الحرب في غزّة.

– في واشنطن من يرى إعطاء فرصة للضغوط على السلطة السياسيّة اللبنانيّة وعلى “الحزب” نفسه، لعلّها تثمر مخرجاً للسلاح شمال نهر الليطاني، بعد انتهاء مهلة سحبه في جنوبه آخر السنة.

– انتظار حصيلة الجهود الدوليّة والإقليميّة من أجل تفاوض جدّي مع إيران على الملفّ النووي وبرنامجها الصاروخيّ ونفوذها الإقليميّ، لعلّها تنعكس لبنانيّاً. آخر هذه الجهود الدور السعوديّ الذي استجاب له ترامب في 19 الشهر الجاري أثناء زيارة وليّ العهد السعوديّ الأمير محمّد بن سلمان. الافتراض هو أنّ التقدّم في هذا المسار قد يُترجَمُ تلييناً لتشدّد “الحزب” بشأن سلاحه.

سقف واشنطن: “الكثافة المنخفضة” في الضّربات

على الرغم من التحذيرات والتحضيرات الإسرائيليّة لتوسيع العمليّات في لبنان خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، بحجّة أنّ إيران أعادت تسليح “الحزب” وأنّه قام بتأهيل بنيته العسكريّة جنوباً، واصلت واشنطن لجم بنيامين نتنياهو عن حرب جديدة في لبنان بانتظار استحقاق سحب سلاح “الحزب” جنوب الليطاني في آخر العام.

أقرّت تل أبيب نفسها بأنّ هناك ضغوطاً أميركيّة عليها كي لا توسّع الحرب في لبنان. لذلك تتّصف الإجازة الأميركيّة لإسرائيل بمواصلة الضربات بأنّها تقوم تحت سقف “الكثافة المنخفضة” على اختيار أهداف انتقائيّة تُبقي التهديد العسكريّ قائماً ضدّ “الحزب”، وتحقّق ضغوطاً، بالتزامن مع حملتها السياسيّة لتجفيف موارد تمويله بفرض مزيد من العقوبات وطلب وزارة الخزانة إجراءات قاسية من السلطة في هذا المجال.

موقع الاغتيال في سياق الاعتراض الإسرائيليّ

هل تجاوزت إسرائيل هذا السقف باغتيالها الطبطبائي؟

في الساعات القليلة التي تلت العمليّة، بدا أنّ واشنطن ليست منزعجة من إزاحة أحد القادة الميدانيّين الرئيسيّين في “الحزب”. اكتفت بتسريب أنّها علمت بها بعد إتمامها. أرادت التأكّد ممّا إذا كان نتنياهو سيطلق العنان لتهديداته التي ينقل مسؤولون أميركيّون وفرنسيّون رسائل للبنان عن جدّيّتها. هؤلاء، مثل توم بارّاك ومورغان أورتاغوس، يردّدون أنّ تل أبيب لن تصبر طويلاً على “التباطؤ” في سحب السلاح.

على الرغم من أنّ التسريبات الإسرائيليّة أفادت بأنّ عمليّة الضاحية تمّت لأنّ المعلومات الاستخباريّة أتاحت فرصة سانحة أوجبت العمليّة، تميل أوساط إلى تصنيف حدث من هذا النوع في إطاره السياسيّ الإقليميّ. يعتبر هؤلاء أنّه لا يمكن عزل العمليّة عن قلق إسرائيل من التفاهمات التي سبقت وتخلّلت وأعقبت المحادثات المهمّة لوليّ العهد السعوديّ مع ترامب.

تعتبر هذه الأوساط الاغتيال نوعاً من الاعتراض، يُضاف إلى الضربات الإسرائيليّة في غزّة وتصدُّر نتنياهو نفسه للتوغّلات في جنوب سوريا. يُذكَر الآتي من عوامل القلق:

1- صدور قرار مجلس الأمن بتبنّي خطّة ترامب في غزّة وتضمينه فقرة عن المطلب العربيّ الإسلاميّ إقامة دولة فلسطينيّة.

2- تلقّف ترامب الرسالة التي حملها إليه الأمير محمّد بن سلمان من الرئيس الإيرانيّ مسعود بزشكيان بالاستعداد للتفاوض بإيجابيّة.

3- التفاهمات التي أنجزها ترامب مع الرئيس السوريّ أحمد الشرع تحدُّ من طموح إسرائيل إلى إقامة حزام أمنيّ في جنوب سوريا. تميل إدارة ترامب إلى إخلاء إسرائيل مناطق توغّلها، مع بقائها في قمّة جبل الشيخ، لكن إضافة إلى وجود أميركيّ مع قوّاتها هناك بانتظار ما سيكون. ما يُقلق إسرائيل إذا صحّت هذه التفاهمات هو تفهُّم إدارة ترامب لامتناع سوريا الجديدة عن عقد معاهدة سلام مع إسرائيل ما دامت دمشق تلتزم الموقف العربيّ الذي يرهن التطبيع بمسار مضمون لقيام دولة فلسطينيّة.

مبادرات لبنان بين التّنفيذ والاحتواء

ماذا باستطاعة لبنان لتفادي توسيع الحرب؟

– هل تلقى تجاوباً ترامبيّاً مبادرةُ رئيس الجمهوريّة العماد جوزف عون في خطاب الذكرى الـ82 للاستقلال الذي كرّر فيه دعوته إلى التفاوض مع إسرائيل برعاية دوليّة أو أميركيّة على انتشار الجيش جنوباً حتّى الحدود؟ وتشمل التحقُّق الدوليّ ممّا أنجزه من جمع سلاح “الحزب”. هل يمدّد بذلك استمهال واشنطن إسرائيل حتّى آخر السنة لتقويم ما تحقّق قبل عمليّة عسكريّة واسعة؟

– واشنطن تأمل وضوحاً في شأن شمال الليطاني، فما ردّ فعلها على قول رئيس الحكومة نوّاف سلام إنّ المطروح للسلاح شمالاً هو “احتواؤه”، بدل سحبه؟ وهي فكرة تعني منع نقله واستخدامه وبقاءه في مخازن يعلم بها الجيش، في إطار خطّته للمراحل اللاحقة للجنوب. هل تقبل تل أبيب وواشنطن بذلك أم تعتبره تأجيلاً لتدبيرٍ نصّ عليه اتّفاق وقف الأعمال العدائيّة؟ هذا إذا وافقت طهران على الفكرة.