شهادات من سجن رومية...هل حان وقت إطلاق سراح المناصرين للثورة السورية؟

لليوم العاشر على التوالي، يستمر 125 سجينا سوريًا في سجن رومية بلبنان في إضراب مفتوح عن الطعام، احتجاجًا على ظروف احتجازهم القاسية، وللمطالبة بتسليمهم إلى الحكومة السورية الجديدة.

وبدأ المساجين، الذين يقولون إنهم معتقلون سياسيون،  إضرابهم في 11 فبراير الجاري، بعد فقدانهم الأمل بأي تحرك رسمي لإنهاء معاناتهم عقب سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، وأعلنوا أنهم مستمرون في إضرابهم حتى يتم النظر في ملفهم.

ودعمًا لقضيتهم، شهدت مدن سورية عدة ومناطق حدودية بين سوريا ولبنان مظاهرات تطالب بالإفراج عنهم، كما انتشرت مجموعة من الفيديوهات لأمهات المعتقلين يطالبن رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، بالإسراع في إيجاد حل لأزمة المعتقلين في لبنان.

شهادات من سجن رومية

أحد المشاركين في الإضراب، يُدعى "م.د" (39 عامًا) من ريف دمشق، رفض ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، قال في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة" من داخل سجن رومية، إنه سُجن بسبب مواقفه المناصرة للثورة السورية.

وأضاف أنه لم تتم محاكمته رغم مرور سبع سنوات على توقيفه، وقال: "كل يوم بعد سقوط النظام يمر على المعتقلين وكأنه سنة. نحن أوصلنا رسالتنا للرئيس الشرع ونطالبه بالتعجيل في معالجة هذا الملف الإنساني العاجل".

وقال "ل.م" (33 عامًا) من مدينة دمشق إنه سُجن بسبب تقرير كيدي كتبه أحد المخبرين التابعين للنظام السوري السابق، بسبب معارضته للنظام، وأنه لا يزال مسجونًا بدون محاكمة منذ تسع سنوات.

وأضاف الشاب، في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة" من سجنه طالبًا عدم الكشف عن هويته كاملة: "أنا مسجون دون محاكمة، بينما كبر أولادي وهم محرومون مني وأنا محروم منهم. أتمنى أن يصل صوتي إلى القيادة السورية الجديدة لإنهاء معاناتي ومعاناة المعتقلين معي".

أما "ر.ا"، وهو أحد منظمي الإضراب، فقال في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة" من سجن رومية، طالبًا عدم ذكر اسمه الكامل أيضًا، إنه شعر بفرح مع بدء فتح السجون داخل سوريا، إلا أن فرحته كانت ممزوجة بالغصة، لأنهم موقوفون في بلد آخر، ولا يستطيعون الخروج للاحتفال.

وأضاف: "كان يُفترض بنا أن نكون بين من عادوا إلى ديارهم، خاصة بعد الإعلان عن الاتفاق بين سوريا ولبنان بخصوص استرداد جميع السجناء السوريين، لكن لم يتم تنفيذ أي خطوة عملية حتى الآن، لذلك بدأنا الإضراب عن الطعام للضغط من أجل إنهاء هذه المأساة".

وخلال زيارة رئيس الحكومة السابق، نجيب ميقاتي، إلى سوريا ولقائه بالشرع، تم الإعلان حينها في بيان صدر عن وزارة الخارجية السورية، أنه تم الاتفاق على استرداد جميع السجناء السوريين من لبنان.

ويشير "ر.ا" إلى أنه تفاجأ بعدم حدوث أي شيء عملي وتنفيذي بعد بيان الخارجية السورية، من الطرفين اللبناني والسوري.

لذلك قرر هو ومجموعة من المعتقلين السياسيين، البدء بحملة الإضراب من خلال الأدوات المتاحة، وكتابة بعض اللافتات، حتى يتم تسليط الضوء على مشاكلهم.

تحرك حقوقي لبناني

المرصد اللبناني لحقوق السجناء أصدر بيانًا دعا فيه الحكومتين السورية واللبنانية إلى تنفيذ الاتفاق الذي تم الإعلان عنه رسميًا خلال زيارة ميقاتي إلى دمشق، والذي نصَّ على "استرداد كافة المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية".

وأشار البيان إلى أن السجون اللبنانية تضم حوالي 2351 سجينًا سوريًا، ويشكلون 30% من إجمالي السجناء في عموم لبنان، بينهم 250 شخصًا متهمين بالإرهاب، فيما أُوقف الباقون بتهم جنائية أخرى ترتبط في الغالب بظروف اللجوء القاسية والمعاملة الكيدية من الأجهزة الأمنية والقضاء اللبناني.

وقال المرصد في بيانه: "حان الوقت لفتح صفحة جديدة في لبنان، الذي تغص سجونه بآلاف اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين، الذين يعتبرون ضحية بشكل أو بآخر للوضع الأمني والسياسي والاجتماعي السابق إبان المرحلة المظلمة التي خيمت على البلدين".

وأكد المحامي اللبناني محمد صبلوح، مدير البرنامج القانوني لمركز سيدار للدراسات القانونية، أن تهم عدد كبير من السجناء السوريين في لبنان تتعلق بمساندتهم للثورة السورية.

قضايا إرهاب

وقال صبلوح لموقع "الحرة" إن أغلب المساجين اعتُقلوا بتهم الإرهاب بناءً على إقامتهم سابقًا في مناطق تابعة للمعارضة، أو دعمهم للثورة ضد الأسد.

وأوضح أن بعضهم خضع لمحاكمات غير عادلة أمام المحكمة العسكرية اللبنانية، حيث انتُزعت اعترافاتهم تحت التعذيب.

وأشار صبلوح إلى أن هناك مشروع قانون قدمته "كتلة الاعتدال الوطني" في مجلس النواب اللبناني لإعادة النظر في ملفات هؤلاء السجناء، لرفع الظلم عنهم ومنحهم حق العدالة الانتقالية.

وأردف قائلًا: "آن الأوان لإخراج هؤلاء المعتقلين من السجون بأقصى سرعة ممكنة، سواء كانوا سوريين أو لبنانيين، من خلال تشريع قانون يعالج هذه الإشكالية".

وقال: "اليوم القيادة السورية هي أحمد الشرع، والمسؤولون اللبنانيون تصوروا معه منذ أيام، فهل يذهب القضاء اللبناني ليُحيل رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي إلى السجن بتهم الإرهاب لأنه تصور معه، أم سيسقط تهم الإرهاب عن هؤلاء المساجين الذين ناصروا الثورة السورية؟".

وأضاف: "أؤكد أن المحاكمات التي شهدوها هي محاكمات غير عادلة وكيدية، وكانت المحكمة العسكرية يسيطر عليها قوى الأمر الواقع، وهو حزب الله، ولكن اليوم سقط نظام الأسد، وبالتالي هل يتجرأ القضاء العسكري في لبنان على الادعاء على عناصر حزب الله الذين حاربوا إلى جانب النظام بتهم الإرهاب، أم يُسقط التهم الموجهة لهؤلاء؟ الموضوع معقد جدًا".

وكان المحامي صبلوح ضمن الوفد الذي زار وزارة العدل يوم الأحد الفائت من أجل متابعة موضوع الموقوفين السوريين وإضرابهم، وأكد أنه وجد تجاوبًا جديًا من قِبلهم في سبيل حل مشاكل الموقوفين.

وأوضح: "هناك 1800 موقوف سوري في لبنان، وهناك أولوية لـ200 شخص منهم وهم سجناء سياسيون، والـ1600 الباقون تقوم الإدارة الجديدة على إعادة تأهيل السجون وسيكملون محاكمتهم في سوريا".

ونوه المحامي صبلوح بعدم وجود أي تصريح رسمي لبناني حول الإضراب لغاية اللحظة، ووصف ما كان يحدث في ملف الموقوفين سابقًا بـ"المتاجرة".

وأضاف: "كان وزير الداخلية بسام مولوي يهدد بترحيلهم خلال فترة سيطرة النظام، واليوم الموقوفون أنفسهم يطالبون بذلك ولا يوجد أي تحرك رسمي. نأمل في العهد الجديد أن يكون هناك إيجابية، وهذا ما وُعدنا به".

وفي مقابلة سابقة مع موقع النهار اللبناني عام 2023، قال وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، بسام مولوي، إن الموقوفين السوريين يشكلون عبئًا كبيرًا على البنية التحتية، نظرًا إلى حاجاتهم لتأمين الغذاء والمحروقات والطبابة وغيرها.

وأضاف الوزير: "لدينا 31% من المسجونين من الجنسية السورية، وأكثر من 50% من القُصَّر الموقوفين هم من السوريين. نشدّد على مسألة الترحيل إنفاذًا للقرارات القضائية، علمًا بأنه في الفترة الماضية كانت القرارات القضائية فيما يخص الترحيل لا تُنفذ، ونقول اليوم إننا سننفذ كل القرارات القضائية القاضية بترحيل السوريين".

وفي تصريح آخر بداية العام الجاري، قال مولوي إن وزارة الداخلية تقوم بإدارة السجن، وإن القضاء هو من يقرّر مصير ملفّات السجناء.

وأشار الوزير إلى وجود 2297 سجينًا سوريًا في السجون اللبنانية، 329 محكومًا، و1968 منهم غير محكومين، مشيرًا إلى عدم وجود طلب سوري رسمي يخصهم.

وأردف: "لبنان يخضع للاتفاقيات المعقودة مع سوريا منذ خمسينيات القرن الماضي في هذا الشأن، ولغاية اليوم لا طلبات سورية في هذا الشأن".

يوم أمس الثلاثاء، دعت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الحكومتين السورية واللبنانية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإنهاء معاناة المعتقلين السوريين في لبنان.

وذكرت الشبكة أن شهادات المعتقلين تؤكد أن العديد من المضربين عن الطعام يعانون من تدهور صحي خطير، وسط غياب الرعاية الطبية وانعدام الاستجابة الرسمية لمطالبهم.

وأشارت الشبكة إلى أن عدد المحتجزين يُقدّر بحوالي 2000 شخص، بينهم نحو 190 معتقلاً على خلفية مشاركتهم في الثورة السورية.

وأكد التقرير أن السلطات اللبنانية انتهكت الاتفاقية القضائية لعام 1951 بين سوريا ولبنان من خلال احتجاز معتقلين سوريين تعسفيًا وتسليم بعضهم سابقًا إلى النظام السوري المخلوع.

كما دعا التقرير الحكومة اللبنانية إلى التنسيق مع الحكومة الانتقالية السورية لوضع آلية قانونية تضمن حقوق المعتقلين وتحسن ظروف الاحتجاز.

بدوره، أكد فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في حديث خاص لموقع "الحرة"، أن إضراب المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية ومطالبتهم بترحيلهم إلى سوريا، يأتي نظرًا لظروف الاعتقال القاسية وتدهور الأوضاع الإنسانية.

وأضاف أن سجن رومية يشهد اكتظاظًا شديدًا، وانعدامًا للرعاية الصحية والغذائية، وانتشارًا لأمراض معدية، بالإضافة إلى حرمان المعتقلين من التواصل مع ذويهم.

وأكد على ضرورة تحرك الجهات المختصة لإنهاء معاناة المعتقلين، داعيًا الحكومة اللبنانية إلى التنسيق مع الحكومة الانتقالية السورية لوضع آلية قانونية تضمن حقوق المعتقلين وتحسين ظروف الاحتجاز وتوفير بيئة إنسانية تحمي حقوقهم الأساسية، مع ضمان عدم التمييز وإلغاء محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.

كما دعا الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية إلى إرسال فرق مراقبة لتقييم أوضاع السجون اللبنانية والإشراف على عمليات إعادة المعتقلين وتقديم الدعم الإنساني والقانوني اللازم لهم، مع ضرورة ضمان الحكومة السورية الجديدة بيئة آمنة للعائدين وإطلاق برامج دعم نفسي واجتماعي واقتصادي تُسهل إعادة اندماجهم في المجتمع.

كم تمنيت أن أموت

وفي عام 2021، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا بعنوان "كم تمنيت أن أموت"، تناول أوضاع اللاجئين السوريين المحتجزين تعسفيًا في لبنان بتهم تتعلق بالإرهاب.

وقالت المنظمة في تقريرها إن قوات الأمن اللبنانية عرّضت المئات من الرجال والنساء والأطفال السوريين للاحتجاز التعسفي، والتعذيب، والمحاكمة الجائرة.

ودعت الحكومة اللبنانية إلى إنهاء الاحتجاز التعسفي للسوريين، ووضع حد لسوء معاملتهم، وضمان حصولهم على محاكمة عادلة.

وبحسب التقرير، أوقف تعسفيًا المئات من اللاجئين السوريين وسُجنوا بتهم تتعلق بالإرهاب منذ العام 2014، ولم تُقر حينها الحكومة اللبنانية رسميًا بحجم هذه القضية.

ومع دخول إضراب المعتقلين السوريين في سجن رومية يومه التاسع، يزداد القلق حول مصيرهم وسط صمت رسمي لبناني وتأخر في تنفيذ الاتفاقات المعلنة بين الحكومتين السورية واللبنانية.

وبينما تزداد معاناة المضربين عن الطعام، تبرز تساؤلات حول مدى جدية التعاطي مع هذا الملف الإنساني الذي يتجاوز الاعتبارات السياسية، ليصبح اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام الحكومتين بحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية.