شواطىء لبنان: أين تسبحون بأمان.. والمواقع الملوثة والخطرة

كتبت بتول يزبك في المدن:

في مثل هذا الوقت من كل عام، وبصورةٍ أشبه بتقليدٍ سنويّ، يخرج المجلس الوطنيّ للبحوث العلميّة بنتائج الدراسة الّتي يُجريها المركز الوطنيّ لعلوم البحار، والرامية لتقييم حالة الشاطئ اللّبنانيّ الصحيّة لناحية التلوث العضويّ والمسموحات البحريّة البكتيريولجيّة (Bacteriology وهو تخصص يدرس الشكل والبيئة والتركيب الوراثيّ والكيمياء الحيويّة للبكتيريا) لمواقع الاستجمام البحريّ الّتي يقصدها السكّان من أقصى عكار شمالي لبنان وصولًا إلى الناقورة في جنوبه.

وهذه المبادرة الرسميّة، على أهميتها، تحمل بُعدًا سوداويًّا ومُقلقاً، لا يتوقف عند الشعور بالحسرة على مواقع لبنان البحريّة الطبيعيّة، المُستنزفة والمُلوثّة والمتآكلة، وتحول المُدن السّاحليّة وتحديدًا العاصمة بيروت، معها إلى غاباتٍ إسمنتيّة مشوّهة. بل يتعدى ذلك، ليتبدى واقع تبدل نمط السّياحة الداخليّة والاستفادة من هذه المواقع بغرض الرفاهية، واقتران جغرافيا الاستجمام البحريّ بالتفضيلات الشخصيّة. لتصير هذه الجغرافيا مقترنة وحسب بحجم تلوث المياه والتداعيات الصحيّة الخطيرة للاستجمام. هذا من دون التعريج على إشكاليّة تحول مثل هذه المواقع إلى أرخبيل من الجزر والاحتكارات الاستثماريّة، الّتي تركل قاصديها من المُفقرين، وهم غالبية السكّان.

37 موقعًا جغرافيًّا
والدراسة الّتي شملت 37 موقعاً جغرافيّاً على امتداد السّاحل اللّبنانيّ، قامت بتصنيف المواقع على ثلاثة مستويات:

26 موقعاً، جيداً إلى جيد جدًا وصالح للسباحة، كالتالي: المنية – شاطئ ذو منفعة خاصة، طرابلس – الميناء مقابل جزيرة عبد الوهاب، طرابلس – بجانب الملعب البلديّ، أنفه – أسفل دير الناطور، أنفه – تحت الريح، الهري – شاطئ ذو منفعة خاصة، سلعاتا – الشاطئ الشعبيّ، البترون – شاطئ البحصة العامّ، البترون – الحمى، عمشيت – الشاطئ الشعبيّ، جبيل – شاطئ البحصة الشعبيّ، جبيل – الشاطئ الرمليّ، الفيدار – أسفل جسر الفيدار، العقيبة – مصب نهر إبراهيم، البوار – شاطئ عامّ، الصفرا – أسفل شير الصفرا، جونيه – شاطئ المعاملتين، خلدة – شاطئ ذو منفعة خاصّة، الدامور – شاطئ ذو منفعة خاصّة، الجية – شاطئ ذو منفعة خاصّة، الرميلة – شاطئ ذو منفعة خاصّة، الأولي – الشاطئ شمال مصب نهر الأولي، الصرفند – الشاطئ الشعبيّ، عدلون – الشاطئ الشعبيّ، صور – شاطئ المحميّة الطبيعيّة، الناقورة – شمال مرفأ الناقوة.

6 مواقع، حذرة إلى حرجة غير مأمونة، كالتالي: عكار – القليعات، بيروت – عين المريسة (بين مرفأ الصيادين الجديد وفندق الريفيرا)، بيروت – المنارة (أسفل منارة بيروت)، الغازية – الشاطئ الشعبيّ، صيدا – الشاطئ الشعبيّ، صور – شارع المطاعم.

5 مواقع، ملوّثة إلى الملوّثة جدًا، كالتالي: طرابلس – المسبح الشعبيّ، جونيه – المسبح الشعبيّ، الضبية – جانب المرفأ، انطلياس – مصبّ نهر انطلياس، بيروت – شاطئ الرملة البيضاء الشعبيّ.

الحالة البيئيّة والصحيّة للشواطئ
ويقدم التقرير أيضًا مقارنة بين نتائج عام 2024 ونتائج عام 2023، حيث أستنتج وجود تحسن ملموس في الحالة البيئية لتسعة مواقع، مع تراجع بسيط في حالة ثلاثة مواقع. وتظهر نتائج الدراسة الّتي أجراها المركز الوطني لعلوم البحار التابع للمجلس الوطني للبحوث العلميّة أن تحليل تركيزات المعادن الثقيلة (كادميوم، رصاص، وزئبق) في أنسجة 11 نوعًا من الأسماك المحليّة (سرغوس، سردين، وسلطان إبراهيم صخري) الّتي تمّ اصطيادها في المياه البحريّة لثلاث مناطق ساحليّة (طرابلس، بيروت، وصور) في أواخر عام 2019 وبشكل متقطع خلال عام 2020، أظهر أن معدلات التركيز أقلّ من الحدّ الأقصى المسموح به استنادًا إلى المستويات الّتي حدّدتها المفوضيّة الأوروبيّة للمعادن الثقيلة في العلف والطعام. لذلك، يمكن الاستنتاج بأن الأسماك المحليّة التّي يتمّ اصطيادها بعيدًا عن مصبات الصرف الصحيّ أو الصناعيّ هي سليمة، غير ملوثة، وصالحة للاستهلاك بأمان.

كما أظهرت تحاليل المعادن الثقيلة (فاناديوم، رصاص، نحاس) في رسوبيات البحر على طول السّاحل اللّبنانيّ معدلات تركيز منخفضة تقلّ عن النسب المقبولة عالميًا، باستثناء رسوبيات شاطئ طرابلس الشعبيّ البحريّة الّتي أظهرت مستويات مرتفعة من الرصاص، بينما كانت معدلات الكادميوم مرتفعة في رسوبيات معظم المناطق.

أما بالنسبة للنفايات الصلبة على الشواطئ اللّبنانيّة، فأشارت الدراسة أنها تتراكم بشكلٍ كبير. وقد أظهرت دراسة سابقة قام بها المركز الوطني لعلوم البحار خلال عام 2023 على مدار أربعة فصول وشملت أربعة شواطئ (شاطئ الغليغيلي البترون، شاطئ كفرعبيدا، شاطئ الرملة البيضاء، وشاطئ صيدا الشعبيّ) أن عدد النفايات قد يتجاوز 20,000 قطعة في كل 100 متر طول للشاطئ.

وقد أكدّت الأمينة العامة للمجلس الوطنيّ للبحوث العلمية، تمارا الزين، على ضرورة استمراريّة تقييم الحالة البيئية للشواطئ اللّبنانيّة، وربطها بالعوامل الّتي تؤثر فيها بشكل مباشر مثل محطات معالجة المياه المبتذلة ومكبات النفايات وما قد تحمله معها الأنهار الّتي تصب في البحر. كما أشارت إلى التكامل بين عمل المجلس والسّلطات المعنية الّتي تملك الإجراءات التنفيذيّة فيما يخص تحسين الحالة البيئية لشواطئنا، مؤكدّة أنه لا يمكن فصل صحّة الإنسان عن صحّة البيئة مما يستوجب عملاً تشاركيًّا بين الجميع للحفاظ على استدامة البحر وموارده.

التلوث اللّبنانيّ والإسرائيليّ؟
وإن كان من الصعب، عند الحديث عن موضوع التلوث البحريّ، تفادي حقيقة أن هذا التلوث ليس مُفتعلًا وبصورة مطلقة، لبنانيًّا، بل يجدر التذكير ب"البقعة النفطيّة" الّتي تسببت بها إسرائيل في حرب تموز العام 2006، بقصفها لخزانات الوقود في محطة كهرباء الجية وقد تسربت من جراء القصف كمية من زيت الوقود الثقيل تتراوح ما بين 12000 إلى 15000 طن- من أصل حوالى 75000 طن كانت موجودة في صهاريج تخزين وقود المصنع، بينما احترقت الكميات المتبقية. كما تلوّث أكثر من 70 موقعًا (على طول 150 كيلومترًا من سواحل لبنان) من تسرب النفط، وقد أصاب التلوّث بعض المواقع العامّة والخاصّة، والشواطئ الرملية  والصخريّة والحصويّة، بالإضافة إلى العديد من المنتجعات الثقافيّة والتاريخيّة والسّياحيّة والمرافئ البحريّة ومراسي الصيادين. وهي من الملوثات الّتي لا يزال الشاطئ اللّبنانيّ وجزء من الشاطئ السّوريّ، يدفع ضريبتها حتّى اللحظة، من دون أن تقوم إسرائيل بالتعويض عن هذا الضرّر المُعترف به، حتّى حينه.